نائحة مستأجرة

الجماهير اليمنية التي تحضر ساحات الاحتفالات، تشبه إلى حد بعيد النائحة المستأجرة التي تحضر في مآتم الغير، مهما علا صوتها بالزعيق أو الصياح أو الهتاف فلا ينبغي تصديقها، لأنها في الأصل لا تعني ما تقول أو تفعل، بقدر ما تؤدي وظيفة.

وقياساً على ذلك، فإن هذه الحشود المليونية التي تخرج في الساحات، هي حشود كذوبة لا تمثل مقياساً واقعياً لشعبية أو تأثير هذا الزعيم أو ذاك. بل أن هذه الحشود تتفرّد بكونها الوحيدة في العالم، التي لا تصلح إلا للتصوير والاستعراض، بل أن أقرب وصف لها، هو أنها تشبه السلاح الذي يستخدم للزينة ولا يصلح القتال.

كنا نعتقد واهمين وإلى وقت قريب، أن الجماهير التي تحتشد مع «الإصلاح» في الستين، ومع صالح في السبعين، ومع الحوثي في الساحتين معاً، هي جماهير مؤدلجة ومتنافسة، لها توجهاتها وانتماءاتها السياسية، فإذا بنا نصل إلى حقيقة كنا نشكك فيها، وهي أن هذه الجماهير هي ذات الجماهير التي تملأ ذات الساحات، وإن اختلف الشخوص، أو الأحزاب أو التوجّهات التي تجتمع لأجلها.

في صنعاء وغيرها من محافظات الشمال اليمني، قد يحتشد نفس البشر، في نفس الساحة، وفي أيام متتالية، يهتفون بشعارات مختلفة ولأشخاص مختلفين، وينجحون في توصيل رسالة خاطئة للعالم بأن القائد فلان قائد محبوب، والحزب الفلاني يملك قدرة عجيبة على تحريك الشارع، في حين أن الحقيقة أن لا هذا ولا ذاك، وأن كل ما في الأمر أننا أمام جماهير مستأجرة جاهزة لمدح عمرو وقدح زيد وكل شيء بحسابه.

تذكروا الحشود التي أخرجها «الإصلاح» في ٢٠١١م، وتلك التي أخرجها هادي في ٢٠١٤م، وتلك الجماهير التي أخرجها صالح في أغسطس ٢٠١٧م، والتي أخرجها الحوثي في المولد النبوي كانت جماهير غفيرة، بل مهولة، جعلتنا نعتقد أنها ستمثل سياجاً يحمي الجميع من أي صراع، وأنها ستجبر كل طرف على التفكير ألف مرة في غضب أو ثورة الجماهير المؤيدة لخصومه.

لم تشفع جماهير هادي التي خرجت لتأييده في فعالية الاصطفاف الوطني وهو قيد الإقامة الجبرية، ولم تشفع لقيادات «الإصلاح»، والحوثيون يلتقطون الصورة التذكارية في غرف نومهم.

والأكثر شناعة أن هذه الجماهير التي خرجت تدعي مناصرة صالح، وأنها ستفديه بالروح والدم، هي من خرجت لتحتفل بمصرعه.

شخصياً، أفكر بمشروع استثماري مهم، هو أن تعرض هذه الجماهير خدماتها للطامحين في الشهرة وحب الجماهير، وتحديد أجرة ملائمة لمن أراد أن يوثق لنفسه صوراً والجماهير تهتف باسمه وترفع صوره، لكن عليه ألا يصدق حاله ويظن فعلاً أنه زعيم محبوب، فقد يذهب ضحية لشعور وهمي بأنه محمي بجماهير لا يمكن أن يراها في الواقع مهما ناشد ودعا واستجار، فهذه الحشود ليست أكثر من نائحة مستأجرة.