الكاميكازا اليمنية والانسحاب التكتيكي

توطئة: الكاميكازا هي تقليد عسكري ياباني قديم يقضي بانتحار القادة بغرز نصل سيف في بطونهم حتى يخرج من ظهورهم عند فشلهم في مهامهم العسكرية.
في فجر يوم من صيف 1944م كان جهاز إرسال حامية عسكرية لإحدى جزر الأطراف اليابانية يتحشرج وهو يرسل استغاثاته للقيادة، فقد أظهر الرادار عدداً لا يحصى من النقاط المتجهة نحوه، وجاءه الرد: اصمد حتى آخر جندي، ومن عيني القائد ساموزاي مي استوعب جنود الحامية ما ألمح إليه الرد.. ودكت مدفعية السفن كل سنتيمتر في الجزيرة بالدانات المروعة، وقبل انقشاع غبار القصف، هرول آلاف الأمريكيين إلى السواحل لتصفية من بقي حياً، حتى القائد ساموزاي وُجد قتيلاً بعد مواجهة بالسلاح الأبيض والدم المتصلب يرسم خطين كثيفين من أذنيه من قوة القصف.
في أحداث نهم الأخيرة، تباهت كثيراً قناة المسيرة وهي تظهر بضع عشرات فقط من الحوثيين وهم يقبلون الأرض فرحاً بالنصر، ويا لهول الغنيمة! عتاد خمسة ألوية من المدرعات وناقلات الجند والشاحنات والأطقم وخلافه، لكن المقدشي -وزير الدفاع- لم يهتز له رمش عندما أظهره فيديو وهو يدحرج كرشه الهائل، ويحشو أوداجه المنتفخة ويزيدها بأوراق القات في مقيل في الرياض، ويبرر ما حدث بأنه انسحاب تكتيكيي، هذا نفس التباهي الذي تظهر به المسيرة عند تكرارها عرض السفير السعودي آل جابر وهو يروي قصة هروب الجنرال علي محسن بالعباية النسائية من صنعاء.
حادثة نهم لو وقعت في الجيش الياباني أو سواه من الجيوش تحترم العسكرية أو توقرها، لا أدري كم ضابط سيغادر الحياة بطريقة الكاميكازا، أو أقلها سيختفي عن الأنظار تماماً، هذا إن لم يسجنوا مدى الحياة، لكن هنا، وبعد الهزيمة مباشرة، كان كل من علي محسن والمقدشي وسواهما، كلهم كانوا يغمسون أذرعهم بتهافت شره في قدور ياجورية كبيرة متخمة بعصيد الدخن المترع بالعسل والسمن، وفي الأيادي الأخرى تتدلدل بشرائح كبيرة من اللحم، وبين فينة وأخرى يلعقون أناملهم بألسنتهم حتى أكواعهم من الدسم الذي ينساب عليها، ويقهقون أيضاً.
مشكلة جنرالاتنا أنهم لم يتقلدوا رتبهم من أكاديميات عسكرية عريقة، أو لم يكدحوا بها في ميادين العسكرية حقاً، بل جاءت بها أنساب بيوتهم وحسب، لذلك لا قيمة للشرف والمهابة العسكرية للرتبة لديهم. ومع ذلك يقرفك منظرهم وهم على الأرائك الوثيرة في الرياض عندما تعرضهم الفضائيات وهم يلعبون دور العسكر الكبار، فيعمدون إلى صبغ الوجوم على وجوههم ويطوحون بأيديهم كجنرالات حقاً، مع أنه تفضحهم أجسادهم المترهلة بكروشهم الضخمة التي يثقلها أكثر من كيلوجرام من الأوسمة والنياشين المعلقة على صدورهم. ولا ندري أية إنجازات عسكرية حققوها أصلاً، فهم لا يقومون بأكثر من التدحرج والتململ في أرائكهم تلك كفقمات بحر الكاريبي وحسب.

خمس سنوات حرب وهمية في التباب، وفي لحظة يسيطر صبيان الحوثي على خمسة ألوية بعتادها، وهذا من المهم أن يلفت نظر إخوتنا في قيادة التحالف، فهي مهزلة مخزية ولا شك.. وطبعاً وراء الأكمة ما وراءها، لكن الشيء الأكيد والقطعي الذي نعرفه نحن وإخوتنا في الإقليم أن هؤلاء لا يستحقون مطلقاً شرف البزات التي يتأزرون بها، ولا يستحقون حتى مجرد الظهور في المشهد السياسي والعسكري ببزة لا يشرفونها مطلقاً أليس كذلك؟