للخروج من الدوامة..ثمة أوراق جنوبية أخرى 

لا يوجد لديِّ ولا لدىَ  كثير من عامة الناس ومن النخب الجنوبية -واليمنية عموماً- أدنى شك في صحة ما يطرحه المجلس الانتقالي الجنوبي بشأن فساد وفوضوية وفشل حكومة السيد\ أحمد عبيد بن دغر وتعمدها إذلال وقهر المواطن بالجنوب -وفي عدن بالتحديد- لحسابات سياسية تستهدف القضية الجنوب أولا وأخيرا. ولكن  الدعوة لإسقاطها أي الحكومة(وهي بالفعل تستحق الطرد وليس فقط الإقالة) بوسيلة الزحف الجماهيري, وتحديد مهلة للرئيس هادي "اسبوع" لإقالتها قبل الشروع بعملية التصعيد الجماهيري لم يكن قرارا صائبا- على الأقل -من وجهة نظر كاتب هذه السطور- لعدة اعتبارات أولاً:أن تحديد فترة زمنية لأمرٍ غير مضمون التنفيذ سينعكس سلباً على مصداقية المجلس وسينسحب بالتالي على معنويات الجماهير. ثانياً: لوجود أوراق أخرى غير الورقة الجماهيرية التي قد يكون استخدامها بهذا الظرف في  صدام سياسي محفوفا بالمخاطر على الشأن الداخلي الجنوبي منها مثلاً التلويح بسحب المقاتل الجنوبي من الجبهات التي يقاتل فيها خلف الحدود الجنوبية.

  فمثل هكذا حديث وتلويح بورقة من هذا القبيل  له ما يبرره  وستكون أكثر حصافة مقارنة مع غيرها, فضلاً عن أنه وسيلة سياسية مثلى تقلل خطورة تهديد النسيج الجنوبي المهترئ اًصلاً, وسيكون أكثر فاعلية بوجه الجهة المراد مجابهتها, و في ذات الوقت سيدفع عن الانتقالي الجنوبي التقولات القائلة بتبعيته العمياء للإمارات وفقدانه لإرادته السياسية المستقلة خصوصاً وأن المقاتل الجنوبي الذي نقصده هنا يقاتل تحت أمرتها  أي الامارات وبالذات في الساحل الغربي, وبمثل هكذا قرار فسيكون حينها الانتقالي متسلحا بمنطق يقول: "لا يمكن لأبناء الجنوب  مواصلة القتال الى جانب شرعية وحكومة فاسدة تسومهم قهرا وذلاً وتحاربهم بكل مجالات حياته المعيشية, وأن قراره بسحب المقاتل الجنوبي لا ينحصر بإسقاط حكومة يمنية بل لتلمس الطريق نحو المستقبل والبحث عن حلٍ جذري وشامل للوضع بالجنوب من البوابة السياسية والبحث عن إطار تنفيذي جنوبي باسم حكومة أو ما شابه ذلك يكون المجلس الانتقالي المشرف على إخراجها للنور ويحدد بذلك مستقبل الجنوب السياسي المستقل ا. هذا إن كان للانتقالي الجرأة السياسية ولديه الاستقلالية السياسية التامة بقرارته المصيرية, وليس تابعاً لأحد,-وليس  ضحكا على الدقون-مع تفريقنا بين التبعية  والشراكة الندية.

 هذا علاوة على أن الانتقالي أن هو استخدم ورقة المقاتل الجنوبي لن يظهر وكأنه تراجع بتطلعاته التحررية الى أمور مطلبية تبدو مجرد إصلاحات ادارية لحكومة يقول عنها ليل نهار أنها حكومة احتلال,- بصرف النظر عن فساد هذه الحكومة وفشلها- بل بوسعه أن يرسل من خلال ذلك رسائل لمعنيين نصها: " الرصاصة ما تزال في جيبي". فمن المآخذ التي تؤخذ على الانتقالي بقرار التصعيد الجماهيري ومطالبته للرئيس بأنه يستبدل حكومة بدلا عنها بموقف الذي قد قـــزّم هدف الجنوبيين المتمثل بهدف استعادة الدولة الجنوبية  واختزله بهدف إداري آني يندرج ضمن مطالب كثير من القوى اليمنية التي هي ترى أيضاً بضرورة اقالة هذه الحكومة أو اجراء تعديل وزاري فيها, فهذا المطلب هو دون شك مطلب اصلاح اداري بحت يتمثل بالبحث عن حكومة نزيهة بديلة ليس إلا, ولا علاقة له بالأهداف الاستراتيجية  والخطابات السياسية التحررية الجنوبية التي يعلنها الانتقالي وغيره من القوى الجنوبية بين الحين والآخر ومنها البيان الأخير الذي أورد فيه قرار اسقاط الحكومة. مع تأكيدنا مرة أخرى أن فساد هذه الحكومة قد أصبح يزكم الأنوف. نقول هذا لئلا  يفهم البعض بأننا لا نرى في  فساد هذه الحكومة ما يستحق الانتفاضة والرفض.

كنتُ يوم الخميس الماضي بمعية بعض أعضاء الجمعية الوطنية الجنوبية للمجلس الانتقالي الجنوبي, وتمحور الحديث حول موضوع الساعة"  أي دعوة الانتقالي لإسقاط الحكومة, وطرحتُ عليهم ذات المقترح أي استخدام ورقة المقاتل الجنوبي خلف الحدود الجنوبية لإضفاء دعوة المجلس بطابع سياسي بدلاً من الصورة  المطلبية النمطية التي نراه من أحزاب يمنية كثيرة ,قبل استخدام  ورقة الزحف الجماهيري المحفوفة بالمخاطر بهذا الوقت. فكانت مجمل ردودهم تقول أن ورقة المقاتل الجنوبي خصوصاً بالساحل الغربي ليست ذو جدوى بوجه الشرعية ولا بوجه الحكومة ولا حتى بوجه حزب الإصلاح, كون هذا المقاتل -بحسب قولهم- لا يقاتل من أجل استعادة الشرعية ولا يتجه أصلا صوب صنعاء بل يقاتل ضمن تفاهمات  جنوبية  اماراتية.

 فماهي الضمانات الخليجية تجاه الجنوب سواء من فوق الطاولة أو من تحتها؟ ولمصلحة من يحارب الجنوبيون خلف الحدود إذاً في عمق الساحل الغربي؟ وهل يصبُّ هذا في إطار الحديث عن استعادة الدولة الجنوبية؟,وهل استعادة الدولة الجنوبية ستعود بعد سقوط صنعاء وبعد عودة الشرعية إليها,وحين يكون التحالف قد قضى وطرهُ من الجنوبيين كذخيرة بشرية ؟

 وما هي هذه التفاهمات الجنوبية" المفترضة" مع الامارات؟, أتضح من ردودهم أنها مجرد تمنيات وتكهنات ليس أكثر, تمنيات وآمال بأن يتطور مستقبلاً الموقف السياسي الإماراتي الى درجة الاعتراف بدولة جنوبية مستقلة بعد أن يكون الجنوب قد وقف معها.!!

 أما كيف يستقيم الحديث عن استعادة الدولة الجنوبية بعد سقوط صنعاء وهل سيكون حينها بيد الجنوبيين ورقة ضغط سياسي وعسكري بوجه شركائه سواء التحالف أو الشرعية للإيفاء بتعهداتهم –مع ان التحالف- ناهيك عن  الشرعية- لم يعطوا للجنوبيين أي ضمانات مستقبلية تكفل لهم حق استعادة دولتهم المنشودة, بل على العكس , فهؤلاء مجتمعين  يكررون مرارا أن حل الأزمة اليمنية بما فيها بالطبع القضية الجنوبية يتمثل بالمرجعيات الثلاث-قرار دولي2216و مبادرة خليجية ومخرجات حوار-, وكلها تؤكد على بقاء الوحدة اليمنية ليس فقط بشكلها الحالي بل بشكل يكون فيه الجنوب مشطورا نصفين "اقليمَين" ضمن مشروع الستة الاقاليم المزعوم.