همس اليراع
اتفاق الرياض المتغيرات الجارية والتعديلات المطلوبة
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
(رأي شخصي)
لم تتح الفرصة لتنفيذ اتفاق الرياض ليس لصعوبة متطلباته ولا لعجز الموقعين والرعاة عن التنفيذ، لكن لأن هناك طرف وقع على الاتفاق مكرها وراح يفتعل الأسباب لعدم تنفيذه واتهام الطرف الآخر بما يقوم به من تعطيل وتنصل وتصعيد عسكري وإعلان الحرب في أبين وشبوة وإطلاق العنان للجماعات الإرهابية لتفعل فعائلها حيثما انتشرت قوات الجيش (الشرعي).
سنتوقف هنا عند قضيتين مهمتين الأولى تتعلق بالمتغيرات التي شهدتها الساحة شمالاً وجنوباً منذ توقيع الاتفاق، والثانية تتعلق بتأثير هذه المتغيرات على إمكانية التعاطي مع الاتفاق وما هي التعديلات التي يمكن أن تسهم في تسهيل تنفيذه:
أولاً المتغيرات:
1. سقوط محافظة كاملة بيد الحوثي ومعها عدد من مديريات مأرب الاستراتيجية وسقوط فرضة نهم ذات الأهمية العسكرية الاستثنائية بالنسبة لـ"الجيش الشرعي"، وسقوط عدد من مديريات محافظة البيضاء بيد الحوثي وهذا يمثل خسارةً كبيرة بالنسبة لكل القوى الرافضة للمشروع الإيراني في الشمال والجنوب، ولكل التحالف العر بي الداعم للشرعية.
2. نقل المعركة من مأرب والجوف وفرضة نهم إلى محافظات الجنوب في أبين وشبوة في حربٍ عبثية لا طائل منها ولا سببَ، وقد أبدت قوات الشرعية المهزومة في الشمال استبسالا لم تبدِهُ في أي جبهة من الجبهات الشمالية، لكنها لم تفلح في تحقيق أي انتصار أو تغيير في ميزان القوى على الأرض.
3. تنامي العمليات الأرهابية في المناطق التي تسيطر عليها القوات الشرعية في شبوة خصوصا بعد إخراج النخبة الشبوانية التي نظفت كل شبوة من الجماعات الإرهابية وهذا ينطبق على وادي وصحراء حضرموت، وهو ما يشير إلى انتشار الإرهاب حيثما تنتشر القوات الحكومية (الشرعية).
4. بروز المشروع التركي وبقوة على السطح بعد أن ظل مجرد تسريبات وتوقعات وتحذيرات هنا وهناك، ويأتي هذا بعد دعوات رسمية من مسؤولين حكوميين بدرجات مختلفة وعقد اتفاقات رسمية مع الجانب التركي، بعلم أو بدون علم الحكومة الشرعية، وقيادة التحالف العربي المستهدفة قبل غيرها من كلما يفعله أردوجان في المنطقة.
ثانياً التعديلات المطلوبة
في ضوء هذه المتغيرات الاستراتيجية الحاسمة التي تحمل انتكاسات مريرة للشرعية ولليمنيين الرافضين للمشروع الانقلابي الحوثي، بما في ذلك الجنوبيين، وبشكل أساسي لأهداف التحالف العربي، يجدر التساؤل: هل ما يزال اتفاق الرياض قابل للتطبيق بتراتبيته وملحقاته التي تضمنها يوم التوقيع عليه.
الإجابة يمكن أن تكون بــ(لا)، لكنها يمكن أن تكون بــ(نعم).
لا يمكن تطبيق اتفاق الرياض ببقاء الوضع القيادي العسكري والأمني والتنفيذي الراهن، إذ كيف يمكن ائتمان قيادة عسكرية سلمت مواقعها الاستراتيجية للأعداء، وتخلت عن حوالي سدس مساحة الجمهورية العربية اليمنية، للانقلابيين ثم أرسلت قواتها لقتل المقاتلين الذين حرروا الأرض ويراد لهم أن يندمجوا ضمن تلك القوات المهزومة وتحت تصرف القيادات المهزومة دوماً.
كما لا يمكن القبول بدمج القوات الجنوبية الأمنية تحت قيادة وزير يدعو علنا للتدخل التركي ضد التحالف العربي وعلى رأسه المملكة العربية السعودية صاحبة الدعوة للتحالف ومطلقة عاصفة اللحزم التي يسعى هذا الوزير ومعه عدد من البرلمانيين والسورويين والوزراء والمستشارين، مع حلفائهم الجدد لإفشال مشروع التحالف العربي فضلاً عن تسخيرهم لمواقعهم وللقوات الأمنية لمواجهة المواطنين الجنوبيين والتخلي عن مكافحة الإرهاب الذي ازدهر أيما ازدهار في ظل الوضع الأمني والعسكري الراهن.
وبعبارة أخرى كيف تسلم الجنود والقادة الأبطال الذين انتصروا للتحالف العربي وهزموا الانقلاب الحوثي في أقل من مائة يوم، تسلمهم مع أسلحتهم ليقودهم قادة كل إنجازاتهم هزائم وتسليم أسلحة التحالف العربي للحوثيين ليطلقوها على المدن والبلدات والمؤسسات الاقتصادية السعودية، وطبعا على المدن والقرى الجنوبية؟
إذن بندا تسليم السلاح الجنوبي وإشراف وزارتي الدفاع والداخية على القوات الجنوبية يجب أن يحذفا من الاتفاق ويستبدلا ببند جديد يوزع مناطق المواجهة مع الحوثيين بين القوات الجنوبية والقوات الشمالية مع سحب جميع القوات الشمالية التي دخلت الجنوب غازية سواءٌ في العام 1994م أو في 2015م أو في 2019م ونقلها لتحرير محافظات الشمال وتكليف قوى الأمن الجنوبية بحماية الأمن ومحاربة الإرهاب ومنع الجريمة والحفاظ على الاستقرار كلٌ في محافظته.
في ظل هذه المتغيرات الجوهرية ومن أجل تنفيذ الاتفاق وبلوغه غاياته فإن الأولوية الأولى تأتي لتشكيل حكومة الكفاءات كما نص على ذلك اتفاق الرياض وبعد ذلك سيكون من المنطقي أن تتولى هي تنفيذ بقية بنود الاتفاق التي لا بد من تعديلها باستيعاب تلك المتغيرات الهامة التي شهدتها الساحة وفي المقدمة الانسحابات المتتالية للجيش "الشرعي" من محافظة الجوف ومديريات قانية والعبدية وردمان ونهم، وعدم كفاءة القيادة العسكرية للمسؤولية السياسية والوطنية التي عهدت إليها، ويجب عدم نسيان أن وزارة الدفاع ليست وحدها المسؤولة عن كل تلك الهزائم التي يرى كثيرون أنها مخططة ومتفق عليها مع الطرف المنتصر، وإن المسؤول الأول عليها هو الرجل العسكري الأول في السلطة "الشرعية" وهو نائب رئيس الجمهورية الجنرال علي محسن الأحمرباعتبارة صاحب الرتبة العسكرية الأعلى بعد رئيس الجمهورية والمشرف الأول على الملف الأمني والعسكري في السلطة (الشرعية).
وملخص الأمر اليوم يمكن التعبير عنه بالتالي:
اليوم في الرياض تدور مواجهة غير صاخبة (وقد تغدو صاخبةً) بين مشروعين: المشروع العربي الذي يتركز في مواجهة المادي في الجزيرة العربية وعموم المنطقة، والمشروع التركي الذي يتمدد بصورة علنية وعلى حساب المشروع العربي، ويشكل مكملاً للمشروع اللفارسي ومتناسقاً معه كما جرى في سوريا والعراق وغيرهما.
الجنوبيون (بغالبيتهم) وفي المقدمة المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الأمن والمقاومة الجنوبية مع المشروع العربي، وأنصار المشروع التركي متحكمون في مفاصل هامة داخل الشرعية وهم مستبسلون في تحالفهم مع المشروع التركي وبن يتخلوا عنه، وعلى الراعي العربي (الأشقاء في السعةجية) أن يختاروا بين من ينتصر لعاصفة الحزم وأهداف التحالف وبين من يستثمر هذا التحالف لتعزيز مراكز ونقاط قوة أعداء التحالف، والخيار للأشقاء في المملكة وكل جول التحالف ومعهم كل الخيرين اليمنيين في الشمال والجنوب.