عن جلبة الأواني الفارغة !

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي عدداً من مقاطع الفيديو التي يقوم فيها مسلحون بالدوس على علم دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وعلى صور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، ولم يبخل بعضهم أن يتطوع بالمرور بسيارته على اللوحتين المستهدفتين، في مشهد لا يمكن أن يعبر إلا عن انهيار في الثقافة الأخلاقية والسياسية لممارسي هذا النوع من السلوك وموجهيهم ومموليهم، ومن خطط لهم بالإقدام على هذا العمل.
لن أتحدث هنا عن دور الأشقاء في دولة الإمارات في دعم ومساندة المقاومة الجنوبية في مواجهة الغزو الحوثي العفاشي حتى طرد آخر جندي من الجنود والضباط الغزاة، ولن أتحدث عما يقدمه الهلال الأحمر الإماراتي من دعم لإعادة تفعيل المؤسسات الخدمية (الطبية والتعليمية والبلدية وخدمات النقل وغيرها) ولا عن تأهيل وتدريب الكوادر الجنوبية للإمساك بالملف الأمني الذي يعبث به العابثون من شتى الألوان والأطراف والأصناف، سأدع كل ذلك جانباً لأن الكثيرين لا يعنيهم ، والبعض يتضايق من الحديث عن هذا الدور ويتضرر منه، وأتساءل: ما هي القيمة السياسية لهذا النوع من السلوك الصبياني؟
الحقيقة التي لاجدال فيها هي أن هذا النوع من السلوك لا يعبر إلا عن أحد معنييين: إما إن هناك من يتخذ من البلطجة والهبوط القيمي والضحالة السياسية وسيلة للابتزاز والتقطع والتكسب تحت اسم ممارسة السياسة (والسياسة لا يمكن أن تكون لها علاقة بهكذا سلوك مهما كانت درجة سفه أصحابها)، وإما أن أطرافا سياسية تصفي حساباتها مع دولة الإمارات الشقيقة من خلال استغلال بعض الصبية والجماعات النزقة وقطاع الطرق والمجاميع الهمجية والبلاطجة لتقول (هذه الأطرف) للرأي العام أن الجنوبيين قد ضاقوا ذرعا بالوجود الإماراتي وأنها هي المؤهله لاستعادة البسط على الجنوب واستعادة أجواء 7/7/94م عندما دخلوا الجنوب فاتحين بقبائلهم وفتاويهم وجماعاتهم الجهادية القادمة من أفغانستان وحرسهم الجمهوري وأمنهم المركزي وكل من هب ودب لفعل ما فعلوه بحق الجنوب والجنوبيين من الجرائم التي أقر بها القاصي والداني.
من المؤكد أن الوجود الإماراتي في الجنوب وفي اليمن عموماً هو وجود مؤقت سينتهي بانتهاء المهمة التي جاء من أجلها، ومن المؤكد أن أي أخطاء قد تحصل هنا وهناك بفعل تعقيدات المهمة التي تتحملها قوات التحالف هي أمور قابلة للمعالجة والتصويب، لكن لا يمكن تصور إن الدوس على أي علم أو أي صورة يمكنه أن يضيف مكسبا لمن يمارسه أو يلحق أي ضرر بصاحب العلم أو الصورة، بيد إنه يكشف أن الحمقى والمستهترين هم أكثر الأدوات الشاذة حضورا عندما تندحر المؤسسات وتغيب الأخلاق والقيم بما في ذلك قيم الاختلاف والتباين السياسي وتحضر بدلاً عنها السفاهة والاستخفاف واستعذاب التفاهة وازدراء المعايير والتضحية بالمثل والمعاني النبيلة مقابل أهداف لحظية تافهة لا تلبث أن تذروها الرياح بمرور لحظات قصيرة من الزمن.
وقديما قال الصينيون "إن الأواني الفارغة أكثر جلبةً من الاواني الممتلئة"