رمضان والرسالة المغيبة
نهى البدوي
- اليمن مقبرة الإبداع وتابوت العقول
- من المسئول عن قتل الآباء لأطفالهم؟
- حضرموت.. إرادة تنتصر وحُلم مُنتظر
- الصحوة المتأخرة!
كثيرة هي الميزات التي يتميز بها شهر رمضان الكريم عن بقية أشهر السنة بعظمته وأجواءه الروحانية التي ينعم بها المسلم فيه، والرغبة للتوبة والتقرب إلى الله، وفيه يتعزز ارتباطنا بديننا الإسلامي الحنيف، ويحرص الناس على نشر روح الأخوة والتعاون لخدمة المجتمع، فهي مناسبة دينية يكثر فيها الدعاء للتسامح والتوبة. ينبغي أن يستغلها علماء وشيوخ الدين لإحياء رسالتهم الدينية والتربوية «شبة المغيبة»؛ للحفاظ على المجتمع من السقوط الأخلاقي، وانتشار ظاهرة العنف والجريمة، التي نراها تزداد هذه الأيام، ودعوة الشباب للعودة إلى رشدهم، وتحصينهم من خطر الفكر المتطرف والإرهاب.
تتعاظم حاجة المجتمع في هذا الشهر وفي كل الأوقات، لدور شيوخ وعلماء الدين للقيام بتوعية المجتمع دينياً وتربوياً وأخلاقيًا، ولإيصال رسالة ديننا الإسلامي الحنيف، دين المحبة والتسامح والتآخي، بمضمونها الصحيح، ومفهومها الحقيقي، بعيداً عن التضليل والتحريف؛ لإرشاد الشباب إلى الطريق الصحيح؛ لحمايتهم وتحصين عقولهم من الوقوع تحت تأثير من يدَّعون بالعلم، وهم لا يفقهون إلا القليل منه، أو من أولئك الذين دأبوا على تغذية عقول الشباب وصغار السن وحشوا ادمغتهم بفتاوى دينية باطلة أو ناقصة، وتزييف الحقائق واختلاق وقائع مناقضة لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، ورسالته السمحاء، لتضليل الشباب، وإبعادهم عن مضمونها؛ للانزلاق إلى طريق الضلالة والظلام، مستخدمين كافة أساليب التأثير النفسي لغرس الفتاوى الباطلة في عقولهم، ودفعهم للتمسك بها، عن طريق عزلهم مجتمعياً وروحياً وأُسرياً؛ لتنمية سلوك متشدد عدواني في شخصياتهم لا يقبل الآخر، ولا يؤمن بالحوار حول أبسط القضايا أو ما يضنون أنه صوابا أو مناقشة الأفكار المتطرفة التي حشوا ادمغتهم بها حتى أصبح لم يعد فيها متسع لقبول الحجج والبراهين الداحضة والمؤكدة لزيفها ، لنتفاجأ بظهورهم بشخصيات جديدة «متطرفة» تتبنى هذه الأفكار المتطرفة والترويج لها، واستعداء الأسرة والحارة ثم المجتمع.
أن ظاهرة الحشو والتعبئة الطائفية والمذهبية والعصبية، تعد من أهم العوامل المنشطة والمحفزة لنشر الفكر المتطرف، كما أن الحرب خلفت واقعاً صعباً لليمنيين أوجد بيئة سلبية خطيرة حفزت ولازالت تدفع بالكثيرين نفسيًا واجتماعيًا ومعيشيًا على الشحن الطائفي والمذهبي والعصبوي، وجّدت فيه العناصر المروجه للعنف والفكر المتطرف والإرهاب، مبتغاها للتوغل في المجتمع للنيل منه، بتمددها فيه لخلخلته وضرب وحدة نسيجه، الاجتماعي واستهداف روح التآخي والتعاون بين أفراده حتى صار الفرد لا يعنيه ما يحدث فيه ولا يتدخل لإحقاق الحق أو لثني الشباب عن أفعالهم العنيفة والطائشة أو التصدي لأي نشاط فكري يُدمر مجتمعهم.
وما السقوط الأخلاقي، وازدياد ارتكاب الفحشاء والمنكر وجرائم القتل وإشاعة الفكر المتطرف إلا دليلاً على وجود هذا الخلل في تربية وتوعية المجتمع، وضعف أو شبة غياب للرسالة التربوية الدينية، وللتراجع الملحوظ لدور الشيوخ وعلماء الدين من القيام بواجبهم في اصلاح المجتمع.
قد تكون نتائج الحرب والواقع الذي أنتجته، يفوق طاقة العلماء لمجاراتها، لكن هذا لا يعطيهم الحق باستمرار التقصير الذي نراه وشبه غياب لدورهم ورسالتهم الدينية النبيلة، بل عليهم تكثيف جهودهم مع مختلف شرائح المجتمع لتوحيد كافة الجهود المجتمعية في الحارة والأسرة والمسجد للتعاضد، والمشاركة في إيجاد الحلول التي تحمي المجتمع من أي ظواهر سلبية مدمرة وفي مقدمتها التصدي للفكر المتطرف وحماية الشباب من خطره.
إنها مناسبة مواتيه للشيوخ وعلماء الدين للانطلاق لإحياء دورهم ونشر رسالتهم النبيلة بإبعادها الدينية والإنسانية والروحية والوطنية، في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان الفضيل، وبصورة مؤثرة يمكن أن تحدث تأثيراً إيجابياً في نفسية المتلقي؛ وتحصين الشباب من خطر الفكر المتطرف والتنظيمات الإرهابية، وإرشادهم إلى الصواب لإنقاذهم قبل الوقوع في دوامته هذا الفكر المدمر للمجتمعات، ودعوة من حاولوا استمالتهم بالعودة إلى رشدهم ومجتمعهم، للمشاركة في بنائه وحمايته من عناصر التطرف والإرهاب.