من المسئول عن قتل الآباء لأطفالهم؟

لم تكُن الجريمة البشعة التي ارتكبها المدعو “علي عبدالله حسن النعامي” الذي أقدم على ارتكاب جريمة قتل بناته (ملاك) البالغة من العمر 15 عاماً، و(رغد) 10 سنوات، و(رهف) 7 سنوات بإغراقهن يوم الجمعة الماضية في الماء، هي الأولى التي يهتز لها الشمال والجنوب، بل سبقتها كثير من الجرائم البشعة في لحج والحديدة وأبين وتعز وإب التي تقشعر لها الأبدان ولا يصدقها العقل البشري بأن يقدم أب على قتل أطفاله ثم أمهم والانتحار أو الهرب بعد ارتكاب جريمته.

ازداد ارتكاب هذا النوع من جرائم قتل الآباء لأطفالهم أو تعذيبهم وتشويههم أو اغتصاب بناتهم، خلال الأربع السنوات الماضية في معظم المحافظات اليمنية، وهذا ما يربط دوافعها بالظروف والمأساة التي تخلفها الحرب وطالت الحياة المعيشية للأسرة في اليمن، وبعد كل جريمة نلاحظ سرعة تسويق التبرير والحجة لارتكاب هذه الجرائم فيقال: “نتيجة الظروف المعيشية والجوع والفقر”، أو أنت الأب وهؤلاء أبناؤك أفعل بهم ما تشاء أو القيام بتربيتهم، وازداد عقاب التربية ووصل للتشوية أو القتل أو العمل بما يردد “لا يقتص من الأصل بفرعه “، وعادة ما تكون الأثار السلبية لهذه التبريرات أنها تدفن الحقيقة وتشجع على ارتكاب جرائم مماثلة في مناطق أخرى. 

إذا بحثنا بكل تجرد وحيادية في هذه الظاهرة ودوافعها الحقيقية سنجد لكل جريمة دوافعها المتعلقة بضعف إيمان الأب “الجاني” في مواجهة الظروف وغلاء المعيشة، التي هي بالطبع فوق طاقة الجميع، لكن رغم ما يمر به المجتمع اليمني من تجويع ومأساة بسبب الحرب، إلا أنه لا يزال محافظا على قيمه ولم تنتزع الحرب من قلوب أبنائه الرحمة، ولا تزال الرحمة والتآخي صفات متأصلة في قلوب وحياة الشعب اليمني ولن يتردد أي مواطن ميسور في مساعدة فقير أو إشباع جائع.

إن الأب “الجاني” واستمرار الحرب وما أنتجته من ظروف مادية ونفسية وما خلقته من واقع مأساوي هما أول المسؤولين عن هذه الجرائم، لكن علينا أيضا ألا ننسى غياب الرادع العقابي للقاتل أو مرتكب جريمة القتل أو العنف أو الاغتصاب بسبب ما ورد في المادة (59) من قانون الجرائم والعقوبات التي تنص كالتالي “لا يقتص من الأصل بفرعه وإنما يحكم بالدية أو الارش على حسب الأحوال»، وغياب دور المجتمع “التحذيري” عندما يلاحظ أو يشعر أقرباء الأب المريض ظهور علامات المرض النفسي عليه خوفا وخشية من ارتكابه الجرم، بالإضافة إلى عدم دراسة الظاهرة والمشكلة وبحثها من المؤسسات والمراكز المختصة لتحديد الأسباب ودوافع ارتكابها لوضع الحلول.. فالجميع مسؤول عن استمرار ارتكاب هذه الجرائم المنبوذة في مجتمعنا اليمني.