اليمن مقبرة الإبداع وتابوت العقول
نهى البدوي
- من المسئول عن قتل الآباء لأطفالهم؟
- حضرموت.. إرادة تنتصر وحُلم مُنتظر
- الصحوة المتأخرة!
- لا يحتاج تنفيذ اتفاقات السويد لتساقط الثلوج على اليمن!
لقي التفوق العلمي والمهني للمرأة اليمنية في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية صدى إعلاميا في وسائل الإعلام، وانتشاراً واسعاً تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، تفاعل معه اليمنيون في الداخل والخارج، بارتياح شعبي وبفخر واعتزاز، للإنجاز العلمي الذي حققته الباحثة اليمنية البريطانية، د.أمنيات شائف أبوبكر الشعيبي، التي عملت على رأس فريق من العلماء البريطانيين في مدينة شيفيلد، اكتشف هذا الفريق علاجاً جديداً للسرطان، والنجاح المهني الآخر المتمثل في كفاءة قيادة اثنين من أبناء الجالية اليمنية في أمريكا الكابتن طيار لطيفه غازي القيسي «قائد الطائرة» وكابتن طيار بلال الصايدي، ولأول مرة في تاريخ الطيران الأمريكي لرحلة الطيران التي كانت متوجهة من ولاية نيويورك إلى ولاية ماين. وعزا الكثيرون هذا الإنجاز العلمي والنجاح المهني لليمنيين في الخارج إلى الاستقرار، وإلى العوامل المحفزة للبحث العلمي والمشجعة لتطوير مهارات وقدرات المرأة بحثياً ومهنياً في تلك البلدان المقيمة فيها، الذي أدى غياب هذه العوامل في اليمن إلى دفن عقول الأخريات نظيراتهن في اليمن وموت أحلامهن في سن الطفولة كالأزهار التي تذبل وتتساقط على الأرض قبل أن يحن موعد ثمارها.
أثبت الإنسان اليمني منذُ القدم أنه شديد الذكاء والإبداع في معظم العلوم والفنون والأعمال والمُهن التي اشتغل بها، وفقاً للظروف، وتوفر متطلبات تطوير مهاراته في الداخل اليمني، وفن الهندسة والعمارة اليمنية أحد إبداعات العقل اليمني، ولا تزال آثارها ناطقة في صنعاء وشبام بحضرموت وتبهر من يشاهدها، ولنا أن نتخيل نتائج إبداعه لو توفرت له عوامل الاستقرار والبيئة والمناسبة والتقنيات الحديثة الموجودة في البلدان الأخرى، بالطبع سيبهر العالم.
نشرت صحيفة «الأيام العدنية» في مارس الماضي تقريراً عن الأخوين التوأم المهندسين الشابين، بشير وحميد محمد عبده الشعبي، اللذين اخترعا «طائرة وكرسي للمعاقين وأجهزة كشف مبكر لعمليتي السطو والغش» وأنا أقرأ عن إبداعهما تحسرت على مستقبلهما وإبداعاتهما التي ستدفن مع موت عقولهم، وهم في بداية الطريق، كنت أتساءل مع نفسي كيف سيكون مستقبلهما لو أنهما في بلد آخر غير اليمن، وكنت أنتظر سماع تكريمهما وتشجيعهما، وللأسف لم يحصل، وإن حدث لم نسمع عنه، كل هذا لسبب بسيط لأننا في دولة لا تهتم بالعقول، وإذا حاولت الاهتمام ستمنح الفرص للمقربين أبناء المسؤولين في السلطة، ويا ليت شعري أن يعودوا بعد إنهاء المنح وعباقرة وحققوا نجاحاً ما في أي مجال علمي، فماذا ننتظر من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لا يوجد منها إلا التسمية أو الجامعات التي خصصت نسبة كبيرة من مقاعد الكليات العلمية، كالطب والهندسة لأبناء الهيئات التدريسية، وتوزيع المنح الخارجية لأبنائهم، وحرمان المتفوقات والمتفوقين من أبناء الفقراء، وغياب معايير تكافؤ الفرص والتنافس العلمي الأخلاقي بين الطلاب، فهذا الغياب والحرمان والظلم الذي يتعرض له أبناء الفقراء الأذكياء أدى إلى تحطيم أحلامهم على صخرة الفساد وهم في بداية الطريق، ما أصابهم بالإحباط حتى دفنت أحلام الكثير منهم في تابوت العقول، ولم يبقَ منها إلا أسئلة المعلمين في بداية سنواتهم الدراسية الأولي لتلاميذهم: ماذا تحب إن تكون؟ دكتور، أم طيار، عالم فضاء، فيما دفع الظلم وغيب المساواة والفساد بالبعض الآخر، ممن أصابهم الإحباط الالتحاق بجماعات التطرف.
دائماً ما نسمع، نحن اليمنيون، بعضنا يردد الشعارات البراقة في هتافاتهم للتباهي بسمعة اليمن التاريخية وبالقول: "اليمن مقبرة الغزاة"، وهذا ما نفخر ونعتز به، ويزيدنا شموخاً وحباً لوطننا، لكنهم قد لا يعلمون أنها أيضاً مقبرة للإبداع والمبدعين، وتابوت للعقول والأحلام ومهارات الشباب. فمتى يعود وطني وطناً للعقول والإبداع والحضن الدافئ للجميع؟