وهم الدولة والثورة

النهاية المنطقية لما حدث في صنعاء، هي ماحدث ويعايشه الناس اليوم، ولا منطق للبحث عن نتيجة أخرى مغايرة للواقع. كانت الثورة مشروعة ، فلم تكن منظومة صالح المثخنة بالفساد والظلم جديرة بالبقاء ، في المقابل لم يكن تحالف قوى الفساد والارهاب الذي اختطف ثورة الشباب واستولى عليها يستحق او جدير بانتصار الثورة واكتمال أهدافها واستلام السلطة . لتلك الأسباب ذهب الجميع غير مأسوف عليهم من الجميع، وذهبت معهم ماكانت تسمى بالدولة، والتي لم تكن موجودة أصلا، بدليل هذه الانهيار المريع لكل شي . كان علي عبدالله صالح وحاشيته يختزلون الدولة فيهم، فهم الرئيس، وهم الجيش، وهم الحزب الحاكم بكل"هوشليته" كما كانوا هم الأمن والشرطة ولا وجود لغيرهم الا كتابعين لهم، لذ وبمجرد اهتزاز " منظومة الأسرة" ثم سقوطها اهتزت دولتها " الوهم" ثم سقطت. الأكيد أنه لو كانت اليمن" الشمال" عرفت مؤسسات الدولة، لما انهارت وتفككت بهذه السرعة و السهولة، ولظلت تصارع من اجل البقاء أو ظلت بقايا منها، بوجود صالح او عدمه، فالدولة الحقيقية تستطيع تجاوز الأحداث ومقاومة الضربات العنيفة، كماحدث في تونس ومصر وحتى سوريا. جانب مهم في أزمة اليمن ومشكلتها هي ان القوى اليمنية مغيبة عن واقعها، بشكل غريب وعجيب ، ففي حين تنهار الأرض الرخوة من تحت أقدامها في مناطقها، نجدها تشغل نفسها في مطامع اخضاع الجنوب، ففقدت ما كان معها أصلا ولم تصل إلى ماتطمع بالوصول إليه جنوباً. تحتاج القوى والأحزاب اليمنية ولكي تنقذ ذاتها وتخرج من محنتها لان تقرأ واقعها بدقة، وان تسعى باتجاه خلق جبهة وطنية عريضة تستعيد من خلالها جغرافيتها من الحوثي أولاً، ثم تشرع ببناء دولتها من الصفر مع الاستفادة مما بني خلال مراحلها الماضية من مؤسسات تصلح لتأسيس دولة بمفهومها السليم ، اما مفهوم الدولة فلم تعرفها اليمن بعد ومن المكابرة والخطأ اعتقاد غير ذلك. تبقى الجنوب عاملا مهما في أي مشروع يمني قادم، فإن أرادت قوى اليمن بناء دولتها فعليها ان تسلم بحق الجنوبيين أولاً في استعادة وبناء دولتهم، ثم التعاون والتكامل في اقامة دولتين تقيمان علاقات جوار وتكامل يصب في خدمة شعبي البلدين، اما ان ظلت الأطماع قائمة بابتلاع وهضم الجنوب، فلن يتحقق لها غير المزيد من تفكك وتمزيق الشمال، والمزيد من الأذى للجنوب وهذا ما لا نتمناه ولا يستحقه الشعبان اللذان عانيا عيث وأخطاء الأنظمة التي ضاعت وأضاعت الدولتين معها.