بن عبيد.. الجنرال الإنسان والشاعر
د. هشام السقاف
- تقبيل أيدي أردوجان على طريقة عسكر زعيل
- التحدي الحقيقي
- كهرباء.. كهرباء لحج
- محمد علي باشراحيل.. أيقونة عدن
تعشقت آذاننا صغارا هذا الاسم، نادرا ما كنا نرى الرجل الأسمر طويل القامة ببزته العسكرية في قريته الوهط، لكن محبته نمت معنا لنعرف الكثير عن الجنرال الكلاسك أحمد سالم عبيد، منذ كان مبرزا في المدرسة الجعفرية بريادة ابن مصر عبدالناصر الأستاذ عزت مصطفى منصور، حيث يتألق ابن عبيد في كشافة المدرسة ويطوف معها بعضا من أبين وتخوم المملكة المتوكلية و حتى بحر عمران الذي أشجى الشاعر المعلم حينها في الجعفرية السيد حسن علي حسن السقاف فقال:
كشاف البلاد قاموا برحلة * وجابوا سمك من بحر عمران
ولم يكن قصد عزت مصطفى السمك والترحال بقدر ما كان اكتشاف طبوغرافيا المنطقة واستطلاعها تمهيدا للمخاض القادم (الثورة). ولذا حفلت نقاط التفتيش في عدن بصورة الأستاذ المصري مقرونة بكلمة wanted.
والملفت أن عددا من تلامذة عزت في تلك الفترة 1954-1958م أصبحوا أسماء يعتد بها في دولة الاستقلال الوليدة في 1967م.
فبالإضافة إلى ابن عبيد، هناك محمد عيدروس يحيى العراشة قائد الحرس الرئاسي لأول رئيس للجنوب الشهيد قحطان محمد الشعبي، والمهندس الألمعي عبدالرحمن البصري نقيب المهندسين في عدن حاليا، ود.محمد جعفر زين أول رئيس لجامعة عدن، وسالم أحمد معدان مدير مكتب دولة الكويت بعدن 1969 - 1990م، ود. عبدالله بكير وزير صحة، والفنان المعروف محمد صالح حمدون، والمهندس د.علوي جعفر، والمهندس الزراعي طه زين أبوبكر، وآخرون.
ولم يكن الأستاذ عمر الجاوي ببعيد عن هذه الثلة الرائعة، وان كان قد سبقهم بسني العمر قليلا وأصبح معلما في المدرسة عينها وهو في شرخ شبابه.
أما المجاهد الكبير الأستاذ عمر سالم طرموم فقد كان أحد أعمدة المدرسة ونحتفظ بمقالة له في مجلة أصدرتها المدرسة بطباعة جيدة في تلك الفترة.
لاشك أن هذه الفترة هي التي أرضعت أحمد سالم عبيد الفكر القومي، وفي الصميم منه (الحرية) بالانعتاق من ربقة الاستعمار.
وسيجد الفتى أحمد ومعه ثلة من زملاء المدرسة الجعفرية مرجعية أخرى أثناء دراستهم الثانوية في الكويت من خلال احتكاكهم بالأستاذ الكبير أحمد السقاف، ثم يلتحق أحمد سالم طالبا بالكلية الحربية بمصر لينال التأهيل العسكري فيها، قبل أن يعمق ذلك التأهيل في الاتحاد السوفيتي الذي جعل منه شخصية عسكرية لا يشق لها غبار في البنيان العسكري لدولة الجنوب. وقد أشارت إذاعة لندن (BBC) إليه بالاسم في برنامج (أنت تسأل ونحن نجيب) باعتباره العسكري الأبرز في جيش الجنوب.
وبعد..
لا أستطيع الاقتراب أكثر من خبايا الجنرال الذي لا يشيخ- بإذن الله- العسكرية والسياسية، وقد أحاطت بالرجل منعطفات جد خطيرة في معاصرته لها كان الجيش حاضرا فيها بقوة.. فلربما يحتاج ابن عبيد إلى أوقات هادئة لإعادة مراجعة شريط الذكريات أو يسمح لنا بالاقتراب أكثر لمساررتنا عنها وصياغة حقائق تلك الأيام للأجيال اللاحقة.
لقد جمع أحمد سالم عبيد بين دفتيه ثنائية (السيف و القلم) الرائعة، والتي قلّ ما تجتمع إلا لموهوبين من أمثاله. فالإبداع يتأجج في جوانح ابن عبيد بعد كل سكوت للمدافع.. وسنجد ذلك الحضور الوافي لبيئة لحج الخصبة في مفردات كلماته الشعرية المغناة على وجه الخصوص، تأتيه المفردات بسلاسة ودون عناء لتعيش في الوجدان الحاضر للذائقة الموسيقية اليمنية.
دون أن نغفل إدراك الرجل للإعلام كسلاح مؤثر لا يقل أهمية عن السلاح الناري حين تبوأ وزارة الإعلام في بلد تمركزت فيه السلطات في محور إيديولوجي للحزب الواحد الذي لا يغفر الهفوات..
وحين يؤدي الرجل مهاما دبلوماسية في موسكو وأديس أبابا تكون الأخيرة وكأنه يتقفى خطى أجداده أهل الوهط، ممن سلكوا طريق الهجرة باكرا إلى هذا البلد الطيب في مطلع القرن العشرين الماضي. وجدوا فيها ملاذا وأمانا، وحمت أديس أبابا ابن عبيد من لظى الصراع الذي تفجر في يناير 1986م، وحين هدأت العاصفة سلم أحمد للمنتصر في صراع الأخوة ميزانية السفارة دون نقصان، وغادر كما يغادر القائد الشجاع لا تحمل يداه سوى عفته وسيفه.