من هم المغرِّزون؟؟
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
في ضوء الملاحظات التي طرحتها يوم وكررتها اليوم والتي طالبت فيها الحكومة والبرلمان ومجلس القيادة اليمني بتقديم الاعتذار للشعب الجنوبي عن ثلاثة أمور:
1. الاعتذار عن حرب ١٩٩٤م الظالمة وما إلحقته من تدمير مؤسسي ونفسي وثقافي وحقوقي وتاريخي لكل الجنوب والجنوبيين.
2. الاعتذار عن عمليات القتل الممنهج التي تعرض لها شباب ثورة الحراك السلمي الجنوبي على مدى أكثر من ربع قرن والتي بلغت ضحاياها أكثر من عشرة آلاف شهيد وضعفهم من الجرحى والمعوقين والمنفيين والمعتقلين وضحايا المحاكمات الصورية بتهم ملفقة.
3. فتوى الدكتور عبد الوهاب الديلمي وزير العدل في العام ١٩٩٤م والتي اباح بموجبها دماء وأرواح واملاك الجنوبيين، باعتبار ذلك مفسدة صغرى تجنبا للمفسدة الكبرى المتمثلة بانتصار الكفار (الجنوبيين) وهزيمة المسلمين (الشماليين). حسب تعبير الدكتور الديلمي.
هذه المطالب ليس فيها أي تعجيز ولا ابتزاز ولا تكلف إلا صفحة من الورق وقليلا من الحبر لكنها ستضمد آلاف الجراح التي صنعها أساطين 1994م، بيد إن هؤلاء ما يزالون يفكرون بعقلية االمنتصرين على الجنوب حتى وهم لم يجدوا ملاذا يأوون إليه غير الجنوب الذي دمروه في حربهم الظالمة
في ضوء هذه الملاحظات ابتكر الكثير من الزملاء البرلمانيين مقولة "التغريز" من الفعل (غرَّز يغرزُ) أي عجز عن السير من النقطة التي يتوقف عندها، وقال لي زملاء محترمون:
- انت مغرِّز
وقال آخرون:
- ما لك غرَّزت عند ١٩٩٤م؟
وقال سواهم :
- أهلا بالمغرِّز!!
وعلى الرغم من روح الدعابة التي قد تحملها هذه التعابير فإن الأمر لا يعبر إلا مقدار الاستهانة بنتائج الدمار والخراب والارواح الجنوبية التي ازهقت والدماء التي أُريقت والتاريخ والهوية والموروث الثقافي الذي تعرض للمسخ والتزوير والتزييف، وهو يكشف زيف الادعاء بواحدية الشعبين في جنوب اليمن وشماله، كما يعني أن كل ما تعرض له الجنوب والجنوبيون على أيدي هؤلاء خلال نحو ربع قرن من مظالم وجرائم وسلب ونهب وعبث بكل شيء وحرمان الشعب الجنوبي من أبسط مقومات الحياة التي كان يحصل عليها مجانا حتى ٦ يوليو ١٩٩٤م، . . . كل هذا في نظر هؤلاء ليس سوى حادث عارض أشبه بحادث مروري ارتكب عن طريق الخطأ "وكل واحد يصلِّح سيارته" (كما يقول أهلنا في صنعاء)
ليس من يطلب الحق ويدعو إلى الإنصاف ويتمسك بالعدالة ويطالب بردع الجناة من القتلة والمجرمين والناهبين والفاسدين هو المغرِّز
إن المغرِّز هو ذلك الذي ما يزال يشعر بالزهو والمباهاة بانتصاره على شعب الجنوب الأبي وتاريخه وهويته وينسى أنه هو المطرود من ارضه ولا يستطيع العودة إلى منزلة ولا إلى مسقط راسه، لأن العدو قد طرده واستحوذ على كل املاكه، لكنه يتنمر على شعب الجنوب الكريم الذي يستضيفه ويقدم له الرعاية والحماية رغم الجراح والآلام التي يعاني منها هذا الشعب على مدى ثلاثة عقود على أيدي هؤلاء الضيوف.
وتبقى الإشارة إلى أن أعمال القمع والقتل والتنكيل والملاحقة والمحاكم الصورية ضد النشطاء السياسيين الجنوبيين، قد جرت في زمن تولي الرئيس الدكتور رشاد العليمي مهمة وزير الداخلية ورئيس اللجنة الامني، وقواته كانت هي من ينفذ عمليات الإعدام الممنهج ضد أبناء الجنوب. وهو اليوم مع شركائه المعنيون بتقديم الاعتذار للشعب الجنوبي على الجرائم التي ارتكبتها قواته وأسلافه من حكام اليمن.
الشعب الجنوبي مثل كل الشعوب المقهورة يمتلك ذاكرة سليمة تحتفظ بكل ما تعرض له على مدى العقود الثلاثة الماضية من جرائم لا تسقط بالتقادم حتى لو وصفه الواصفون بــ"الشعب المغرز".
وعلى هؤلاء أن يتخلصوا من عقدة الشعور بالتعالي والمكابرة بعد أن لقنهم شريكهم السابق عدوهم الحالي دروسا من القسوة لا يتنكر لها إلا أصحاب الذاكرة المثقوبة.
فاتعظوا إيها المغرّزون الحقيقيون.