عن أطلال الشرعية اليمنية.. نتحدث

منذ تحرير مدينة عدن (يوليو 2015) بدأ اختبار الحكومة اليمنية الشرعية الحقيقي ومدى قدرتها على إدارة ما يتحرر من الأراضي. أهمية هذا النوع من الاختبارات أنها تحمل رسما نحو المستقبل السياسي لليمن داخليا وخارجيا. ولم يكن خوض غمار هذه المرحلة بالقدر الممكن خاصة وأن اليمن كان ومازال يخوض صراعات إثنية متشابكة منذ مطلع العام 2011. ولذلك كانت التصادمات عنيفة في داخل المكون السياسي للشرعية منذ إعلان تحرير عدن.

ظهرت التباينات بشكل واضح مع وصول خالد بحاح إلى عدن للمرة الأولى بعد تحريرها بخمسة أيام. والمنهجية التي شاء بحاح أن يسير عليها لم تكن لتروق للرئيس هادي والقوى النافذة تقليديا في الشمال اليمني. فعودة كامل الحكومة إلى الداخل تعني أن تغييرا جوهريا سيحدث في ميكانيزم العمل السياسي في قلب الشرعية، والتي كانت تشكو من تباعد بين الرئيس هادي ونائبه ورئيس الحكومة بحاح.

لم تكن تلك التباينات سوى مقدمة لتغيير ميزان الشرعية اليمنية الذي كان قائما على أساس مؤسسة من طرفين، طرف يمثله الرئيس هادي وطرف تمثله حكومة التكنوقراط. كانت الفكرة الأساس هي الخروج من المحاصصة السياسية والحزبية والقبلية وحتى المذهبية والمناطقية لتتحرر الحكومة من تلك التبعات والقيود وتستطيع تأدية أعمالها دون تدخلات تعثر جهودها.

ما حدث في شتاء العام 2016 كان مختلفا عندما ضغطت الولايات المتحدة وقدمت من خلال وزير خارجيتها جون كيري حزمة أفكار لإنهاء الأزمة اليمنية. ترتكز هذه الأفكار على نقل سلطات الرئيس هادي إلى بحاح وتشكيل حكومة وحدة وطنية حتى الخروج منها عبر انتخابات برلمانية ورئاسية.

أُسقط بحاح وأُسقطت حكومته باستدعاء علي محسن الأحمر كنائب للرئيس لإدراك كل القوى النافذة أنه لن يتم تنفيذ أفكار كيري بوجوده، فمختلف القوى السياسية اليمنية، حتى المؤيدة للرئيس هادي في الجنوب أو المنتمية للمؤتمر الشعبي العام، لن تقبل بأن يلعب علي محسن الأحمر دور العراب في عملية الحل السياسي إضافة إلى تعيين أحمد بن دغر رئيسا للحكومة في إشارة إلى تجاوز كافة التوافقات بداية من المبادرة الخليجية وحتى اتفاق السلم والشراكة.

لم تعرف كل الحكومات اليمنية منذ إعلان الوحدة بين شطري اليمن في 1990 حكومة أوجدت كل هذه الاختلالات البنيوية. فقد توغلت الكوادر الحزبية التابعة للتجمع اليمني للإصلاح في مختلف القطاعات. ووصلت الأمور بعد أبريل 2016 إلى ما هو أكثر سوءا على اعتبار أنه تم استقطاب الشخصيات السياسية وغيرها عبر التعيينات لشراء الولاءات. ووصلت الأمور إلى ما هو أسوأ بعرض الوظيفة العامة بمبالغ مالية، بينما كان النائب علي محسن الأحمر قد تعهد باستقطاب ولاءات قبائل طوق صنعاء ليتمكن الجيش اليمني من العبور إلى العاصمة دون قتال ومع ذلك استنزفت الإمكانيات المالية والإعلامية في معارك نهم وصرواح والجوف على مدار سنوات دون تحقيق تقدم عسكري مع تزايد أعداد الأفراد في الجيش حتى تم كسر رقم المئتي ألف، متجاوزا بذلك جيوش بريطانيا وفرنسا وألمانيا.

في 30 مايو 2017 صُدم المجتمع اليمني بظهور الناشطة الحوثية رضية المتوكل في جلسة مجلس الأمن الدولي مهاجمة للتحالف العربي. الصدمة كانت تعبيرا عن الفشل الدبلوماسي الذريع لوزارة الخارجية اليمنية التي كان يتعين عليها القيام بمهام جسيمة بينما الواقع يتحدث عن اكتفاء وزير الخارجية بإصدار بيانات واستقبال السفراء والمندوبين في مقر إقامته بالرياض في حين استطاع الحوثيون إيصال صوتهم إلى مجلس الأمن وتقديم المئات من التقارير للمنظمات الدولية وعقد المؤتمرات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يضاف إلى كل هذا التردي الدبلوماسي عبر فضيحة الجوازات الدبلوماسية التي تجاوز عددها الأربعين ألفا منحت لغير مستحقيها مما اضطر عددا من الدول لإلزام اليمنيين باستصدار تأشيرات دخول حتى لحاملي الجوازات الدبلوماسية.

تردت الخدمات الأساسية في مختلف المحافظات المحررة كنتيجة طبيعية لسوء الإدارة الحكومية، فتكفي الإشارة إلى مدينتي عدن والمكلا والنظر إلى تردي خدمات الكهرباء والماء والصحة والتعليم فيهما ولولا استمرار جهود السعودية والإمارات لأصبحت المدينتان أمثولة في العالمين.

ولولا تدخل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بتقديم وديعة الملياري دولار لكان اليمن أعلن الفشل الكامل اقتصاديا. كل هذا التردي ومازالت هناك مراهنات من القوى المتنفذة والفاسدة على استمرار الحال الذي انعكس على ملفات أكبر ولعل أهمها عملية تحرير ميناء الحُديدة التي أبدى المجتمع الدولي مخاوفه من أن تفشل الحكومة الشرعية في إدارته كما فشلت بعد نقل البنك المركزي إلى عدن إضافة إلى سلسلة لا منتهية من الفشل.

عندما وصف تقرير خبراء الأمم المتحدة الصادر في يناير 2018 الحكومة الشرعية بالمتآكلة، لم تبذل هذه الحكومة أي جهد للدفاع عن نفسها فأعضاؤها يدركون أنهم جزء من الفشل. كان يتعين عليهم أن يقدموا نماذج ناجحة في المحافظات المحررة للإسهام في إسقاط الانقلاب وتشجيع المواطنين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون على الثورة ورفض مشروعهم إلا أن ذلك لم يحدث ولم يتم تقديم نموذج يؤسس لما بعد الحرب ومعاناتها، وهذا ما يدعو إلى بناء المؤسسة الشرعية على أسس جديدة قادرة على الإطاحة بالمشروع الفوضوي الذي يبدأ بالحوثيين وينتهي بالقوى المتنفذة. اليمن بحاجة إلى كفاءاته لتؤسس قواعد السياسة والاقتصاد باعتبارات تضع الإنسان أولا وأخيرا.