تحليل: خلفيات الصراع في شبوة

الأربعاء 10 أغسطس 2022 00:22:50
تحليل: خلفيات الصراع في شبوة

فجّر الإخوان خلال اليومين الماضيين باستخدام قوات أمنية وعسكرية محسوبة عليهم مواجهات طاحنة في محافظة شبوة، في أول تمرد إخواني مخطط مسبقا على مجلس القيادة الرئاسي والمحافظ, وتمكنت قوات دفاع شبوة وبمساندة شعبية من افشال هذا التمرد. 

لن نخوض في التفاصيل الآن, لكن يجب أن نتوقف عند سؤال ملح: لماذا شبوه؟ وماخلفيات هذا العدوان الإخونجي وهذا الصراع العنيف.

خلفيات العدوان الإخونجي الجديد:

ظل هدف السيطرة على شبوة هاجس نظام صنعاء بكل حكامه ومراكز قواه العسقبلية والدينية لاستخدامها كقاعدة لوجستية في الحرب على الجنوب، باعتبار أن شبوة منطقة تتوسط محافظات الجنوب.

هكذا كان الأمر خلال حرب 1994م وخلال الغزو الثاني للجنوب بقيادة الحوثيين عام 2015 ومنذ غزوات الإخوان عام 2019م لإعداد وتجهيز القوات الشمالية والموالية بكل الأسلحة والإمكانات المادية والبشرية للسيطرة على محافظات أبين وعدن غرباً، وحضرموت والمهرة شرقاً.

شبوة حيث توجد حقول النفط (جنّة) في وادي بلحارث في مديرية عسيلان، وتنتج عشرات الآلاف من النفط يومياً، بالإضافة إلى حقول العقلة وعياذ، شرق مدينة عتق مركز محافظة شبوة، كما يوجد بالمحافظة مشروع ميناء بالحاف لتصدير الغاز الطبيعي المسال على ساحل البحر العربي.

وللمحافظة حدود واسعة مع محافظات يمنية [مارب والبيضاء]، وتشرف على ساحل بحري يمتد لأكثر من 250 كلم، ناهيك بمساحتها الجغرافية الكبيرة.

غزوات الإخوان:

اعتمدت جماعة الاخوان في صراعها على السلطة باليمن بشكل عام وضد الجنوب بشكل خاص على ما يسمى "التقية" التي تجنبهم المواجهة المباشرة خصوصا في اوقات الضعف. وهذا ما يحكم سياسات حزب الإصلاح اليمني في التعامل مع الحكومة ومجلس القيادة ومخرجات اتّفاق ومشاورات الرياض ومع التحالف العربي أيضا.

حيث يُظهر حزب الاصلاح نفسه بصدد الاستجابة لمقتضيات اتّفاق واعلان الرياض اللذان رعتهما السعودية وبذلت جهودا كبيرة لتنفيذهما.لكن الحزب ظل يواصل العمل لحسابه الخاص سعيا لاستكمال التمكين العسكري والاقتصادي بعيدا عن أهداف الحرب ضد الحوثيين, أما "الشرعية" فلا تمثّل بالنسبة لإخوان اليمن سوى غطاءا سياسيا لتنفيذ أجنداتهم وحماية مصالحهم.

فإذا كان هدف الشرعية ومن ورائها التحالف العربي بقيادة السعودية هو إعادة الهدوء وبسط الاستقرار في الجنوب، وتوظيف مختلف القوى في مواجهة الحوثيين واستعادة المناطق من سيطرتهم، فإنّ مخطّطات حزب الإصلاح كانت تسير في اتّجاه معاكس تماما لغايات الشرعية والتحالف الذي يدعمها، حيث تمثّل تحرّكات الإخوان وتحشيدهم العسكري واستيلاؤهم على الموارد الاقتصادية، وصفة لإفشال مجلس القيادة وحكومة المناصفة وإعادة عدن وشبوة وأبين وغيرها من محافظات الجنوب إلى مربّع الصراع الدامي الذي جاء اتّفاق الرياض لوقفه.

أما المعركة ضدّ الحوثي فلا تقع ضمن دائرة اهتمام الإخوان ولا على لائحة أهداف داعميهم الذين تجمعهم مع الإيرانيين المشغّلين الأصليين للجماعة الحوثية مصلحة مشتركة في العمل ضدّ التحالف العربي ومحاولة إفشال جهوده لفرملة اختراق إيران لجنوب الجزيرة العربية. وبدل انخراط حزب الإصلاح بما يمتلكه من قدرات بشرية ومادية واعلامية ومن قوّة عسكرية، في مواجهة ميليشيات الحوثي، ظل ينصرف عنها ويخلي المناطق أمامها ويوجّه جهوده نحو معاداة المجلس الانتقالي الجنوبي.
شكّل الحفاظ على موطئ قدم في مناطق الجنوب طموح حزب الإصلاح ومستقبل جماعة الإخوان في جنوب شبه الجزيرة العربية، وذلك بعد أن فقد معاقله في اليمن [الشمال] الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي، بينما يتعرّض معقله الباقي في محافظة مأرب لضغوط عسكرية مستمرّة من قبل الحوثيين، الأمر الذي يرفع من القيمة الاستراتيجية لمحافظة شبوة المجاورة، كشريان حياة وكمنفذ بحري منفتح على خليج عدن كفيل بتأمين التواصل مع الداعمين الإقليميّين لحزب الإصلاح وتلقّي الإمداد منهم.

وعلى هذه الخلفية ركّز حزب الإصلاح جهوده للاستقرار في شبوة وتحويلها إلى مركز اقتصادي له وذلك من دون أن يتخلّى الحزب عن جهوده للتمدّد في محافظة أبين شرقي عدن، ومحافظة لحج بشمالها، إلى جانب الحفاظ على تمركزه في محافظة تعز غربا والتي يعدّها إخوان اليمن خزّانا بشريا لهم.

ظلت التحرّكات العسكرية الكثيفة للإخوان في شبوة وأبين ولحج وتعز تعد لجولات جديدة من المواجهات ضدّ المجلس الانتقالي الجنوبي,حيث استمر حزب الإصلاح يحشيد قواته في منطقة واسعة على شكل هلال يطوّق عدن من الشرق والشمال والغرب، جند الآلاف من المقاتلين وفتح المعسكرات لهم بدعم مالي سخي من دولة عربية دأبت على إسناد وتمويل الإخوان المسلمين.

كما أن حزب الإصلاح اليمني سعى منذ اندلاع الحرب عام 2015م الى السيطرة على المناطق الغنية بالنفط والغازوفق الاستراتيجية المعروفة للجماعة الأم، وتمكن بالفعل من السيطرة على مأرب وشبوة الغنيتين بالنفط والغاز مع احتفاظ قوات موالية له في وادي حضرموت، لكنه واجه رفضا شعبيا متزايدا خصوصا في محافظتي شبوة وحضرموت, اللتان يميل سكانها الى المجلس الانتقالي الجنوبي ومطالب استعادة الدولة الجنوبية.

أوكل حزب الاصلاح محافظة شبوة إلى محافظ عرف عنه الفساد والمتاجرة بثروات المحافظة جهرا وسرا، كما عمل على أخونة كل مفاصل السلطة في المحافظة ودخل بنزاعات واقتتال مع معظم قبائلها، وواجه رياح انتفاضة شعبية وقبلية في شبوة وتراخى في تسليم مديريات بيحان للحوثيين - قبل أن تستعيدها منهم القوات الجنوبية وتطاردهم وتحرر ايضا مديرية حريب من محافظة مأرب اليمنية الشمالية-

رهان الإخوان في حسم معركة النفوذ في الجنوب ضدّ المجلس الانتقالي الجنوبي كان يقوم على تكرار نموذج محافظة شبوة التي تحولت إلى أحد أبرز معاقل الإخوان السياسية والاقتصادية.

هذا الرهان يخسر ويتلاشى مجددا في شبوة وكل الجنوب.

العميد / ثابت حسين صالح

*باحث ومحلل سياسي وعسكري في بوابة المشهد العربي