طرفة الموسم من وادي حضرموت
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
يبدو أننا مقبلون على موسم ساخن من الكوميديا السياسية التي تعكس حالة السخرية العامة التي تشهدها بلاد فيها المعتدي يطلب من المعتدى عليه تحمل مرتبات القوات المعتدية وتجعل المعتدى عليه (المفترض) يتأهب للتعاطي مع هذا الطلب بجدية، في حين يتهرب من تسديد مرتبات موظفيه ومتقاعديه وتوفير الماء الكهرباء والدواء والغذاء للمواطنين المعتدى عليهم في المناطق التي يحكمها.
إنها نفس الكوميديا التي تجعل بلداً ٨٠% من سكانه على حافة المجاعة بينما يحقق وفرة فائضة في عدد (المهديين المنتظرين)، بحيث يظهر فيها خلال أسبوع واحد أكثر من خمسة مهديين منتظرين.
الحروب والإفلاس السياسي تنجب الإحباط واليأس من المستقبل، بموازاة المجاعة والاوبئة والأمراض النفسية التي قد يكون الجنون أحياناً أقلها شأناً.
آخر أطرف المشاهد الكوميدية جاء يوم أمس من وادي حضرموت حيث اجتمع ثلة من المتظاهرين يطالبون بانفصال حضرموت واستعادة دولتها ولم يقولوا لنا عمن سينفصلون.
يبدو أن المخرج فاتته عدة أمور.
فبغض النظر عن الاتهامات بالتهييج والزييف واستئجار متظاهرين من خارج حضرموت ومن خارج الجنوب فقد تبين أن القائمين على هذه الفعالية لا يعرفون لا تاريخ حضرموت ولا جغرافيتها.
لم يقولوا لمتابعيهم ما هي الدولة التي يريدون استعادتها؟ هل دولة عاد أم دولة ثمود؟ هل دولة شبوة أم دولة الأوسانيين؟ هل دولة القتبانيين أم مملكة كندة أم أي دولة حضرمية يريدون؟
لقد نسى المنظمون لهذه الفعالية (الانفصالية) أن آخر ما عرفته محافظة حضرموت من النظام السياسي قبل استقلال الجنوب عن الاستعمار البريطاني في نوفمبر ١٩٦٧م وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هما سلطنتا القعيطي والكثيري، وهما السلطنتان اللتان دخلتا في حروب ونزاعات انتهت بالاتفاق على وقف النزاع بينهما وبناء علاقات حسن جوار وتعاون وتعايش لم ينتهي إلا بدخول الاستعار البريطاني واتِّباعه سياساته المعروفة تحت مبدأ "فرِّق تَسُدْ".
وبعد انتظار ممل حسم القائمون على الفعالية أمرهم وقالوا في بيانهم إنه صادر عن قبائل ابناء الكثيري.
وعلى افتراض أن المنظمين والمحتفلين هم بعض ابناء الكثيري، وليس جنود وضباط وقادة المنطقة العسكرية الاولى (التي ليس بينجنودها وضبادها 5% من الحضارم) كما يتهم الكثير من أبناء حضرم، اقول على افتراض صحة هذا فيبدو ان الذي هيأ لهم الفعالية ومولها لا يعلم كم نسبة قبيلة آل االكثيري إلى الحضارم وسكان حضرموت التي تشغل نصف مساحة الجنوب، علما أن مئات الشخصيات الحضرمية الكبيرة ومنهم وجهاء مجتمعيون وقادة سياسيون من أبناء الكثيري أنفسهم أعلنوا تنصلهم من بيان الدعوة للفعالية ورفضهم لكل من يدعو لتفكيك حضرموت والجنوب خدمة لمشاريع مشبوهة معروفة أهدافها، ثم إن حضرموت المحافظة والتاريخ والحضارة ليست سيؤون والقطن وشبام وتريم التي هي ليست كلها مع هذه الدعوة الغريبة المريبة.
ونأتي إلى أطرف الطُّرف، التي قلنا عليها طرفة الموسم.
المحتفلون بالمناسبة غير المعرَّفة رفعوا اعلام الوحدة اليمنية بجانب الأعلام التي حملوها، وهو ما يعني أنهم لا يطالبون بالانفصال عن صنعاء بل إن مطالبتهم هي بالانفصال عن دولة أخرى لم يسموها ومعروف أن أحد أكثر المتحمسين والمنظمين والممولين لهذه الفعالية، هو عضو مجلس شورى يمني وعضو مجلس شورى حزب التجمع اليمني للإصلاح، الحزب الذي يرى فقهاؤه ان "الوحدة اليمنية" هي الركن السادس للإسلام، وأنها مثل الصلاة لا يجوز اخضاعها للنقاش.
ومكمن الطرفة هو أن من يدعون إلى انفصال حضرموت يريدون أن ينفصلوا عن حضرموت نفسها والجنوب ليتوحدوا مع حجة والمحويت وعمران وبقية مناطق شمال اليمن، وكل الهدف هو استبقاء قوات المنطقة العسكرية الأولى وعدم نقلها للدفاع عن مأرب وتحرير حجة والمحويت وعمران وبقية محافظات الشمال وإلحاق الهزيمة بالحوثيين أتباع المشروع الإيراني.
لا أحد ضد التظاهر أو الاحتجاج أو المطالبة بأية مطالب لكن على من يطرح أي مطالب سياسية أن يكون منطقياً وأن يحترم عقول من يخاطبهم والأهم من هذا أن لا يبني مطالبه على إملاءات من لا شأن لهم إلا بنهب المنطقة واستمرار تبعيتها للغزاة ورعاة الإرهاب والمشبوهين في أعمالهم وأهدافهم.