فازت روسيا بكأس العالم 2018

بمنديال روسيا 2018م ترتيبا وتنظيما وأمنا، أزاحت موسكو عن وجهها الجميل الظلال القاتمة ذات المنشأ الغربي، بل هي صناعة إعلامية ودعائية غربية لم تسلم منها روسيا السوفيتية، ولا حتى القيصرية في أغلب الأحيان. تنقشع هذه الصورة النمطية العدائية ذات الخطوط الداكنة المريبة، ويكتشف مرتادو المونديال الأجمل في تاريخ المستديرة، أن بلاد الروس هي عناق حقيقي بين الأصالة والمعاصرة، بين التراث العريق والحداثة والتطور، وأن مفاتن البلاد لا تقف عند التنوع المبهر في قارة تحتل مساحتها خمس الكرة الأرضية تضم في ما تضم جيشا من جنرالات الثلج التي هزمت أو كانت من أسباب هزيمة نابليون بونابرت عام 1812م، وهتلر في العام 1945م. وإنما هي أيضا بلد الشموس الدافئة في الجنوب.

وما بين سيبيريا والبحر الأسود تختلط الأعراق والديانات والأثنيات والقوميات واللغات والثقافات التي تشكل النسيج الاجتماعي المرن للشخصية الروسية ذات المزايا الإنسانية المنفتحة على الكل، خلاف ما صورته آلة الدعاية الغربية قديما وحاضرا ورسخته في العقل الغربي عموما عن الدب الروسي (المكشر) دائما، في عداء ممنهج لعزل روسيا في مساحتها العظمى تلك، وترسيخ النمطية المخادعة في الذهن الغربي لتحفيزه على الاستنباط والتفوق في ظل يوبيا الشرق المهدد لحضارته، وهو ما التفتت إليه ذات الآلة الغربية التي تشكل توجهات الرأي العام في بداية التسعينيات من القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الشرقية الاشتراكية وارتماء غورباتشوف ومن بعده بوريس يلتسن في أحضان الغرب، مما لم يعد ممكنا معه الترويج للخطر القادم من الشرق، فبدا الترويج للخطر الإسلامي القادم من الجنوب على خلفية الأحداث الدامية في الجزائر، بل والذهاب بعيدا في التأصيل (الفكري) لهكذا رؤى مضللة بإشاعة أفكار من نمط صراع الحضارات كما تبناها صموئيل هنتنغتون ونهاية العالم كما رأها فرانسيس فوكوياما، على اعتبار أن النمط الحضاري الغربي هو اعلى درجات التفوق البشري، وأن السيادة له في وجه الحضارات الشرقية والجنوبية سواء كانت إسلامية أو كونفوشوسية أو سواهما في مقابل المسيحية المختارة. وهي نظريات عنصرية تراجع عن بعض أفكارها أصحابها أنفسهم بعد ذلك.

وكان الغرض السياسي استعماريا مكشوفا بتعميد (العم سام) قوة أحادية القطب تتحكم بالعالم، وكان للعرب نصيب الأسد من هكذا سياسية تتمحور أساسا في تمكين الكيان الصهيوني من فرض سياساته العدوانية على المنطقة ككل.
اليوم توجت روسيا بما هو أثمن من الكأس الذهبية التي ذهبت إلى جادة الشانزلزية في باريس، التعرف على ملامحها الباسمة عن قرب من لدن الزائرين لها وعبر شاشات النقل الحي في كل العالم، وباعتراف الرئيس ترامب الذي أشاد بدقة التنظيم للمونديال، ثم يسجل قيصر روسيا نقاطا أخرى في اللقاء التاريخي المثير في هلسنكي على حساب التصدع الداخلي الأمريكي، وداخل الناتو والغرب عموما.