القميص الحضرمي
هاني مسهور
- في 30 نوفمبر .. فجر الاستقلال الثاني
- لحظة لإفاقة العقل اللبناني
- حتى لا تكون بيروت عدن أخرى
- من شيخان الحبشي إلى عيدروس الزبيدي .. الاستقلال يعنى الاستقلال
من الجدارة أن يتم تناول الحالة الحضرمية بما يليق فما يتجادل حول حضرموت يستحق أن يتم تناوله من زاويته الصحيحة. الجدليات لن تقود لقراءة واقعية لمشهد غارق في الفوضوية؛ لذلك فإن الأجدر استقراء الحالة من الصورة الأخيرة التي أظهرت شكلاً مشوهاً سياسياً بأن تقدم حضرموت بمشروع سياسي تحت عنوان «اللامشروع»، هكذا يحاول المشمولون بنظرية المظلومية أن يقدموا الجزء الجغرافي الكبير بأنها إقليم في أي تسوية سياسية تنهي الدوامة اليمنية.
عندما يظهر حزب «التجمع اليمني للإصلاح» في الصورة عليك أن تكون متنبهاً تماماً وأن تستحضر قواك الذهنية لتعيّ بأن هناك ما يجدر استدعاؤه، وعليه فإن الذين سلموا الساحل الحضرمي لتنظيم «القاعدة» الإرهابي في 2016 وتركوا أهلها ليواجهوا مصيرهم كيف يعودون اليوم لادعاء أنهم يمثلون حضرموت ويدافعون عنها، وهم الذين رموها للجماعات التكفيرية في وقت الشدة؟ من هنا تحديداً يجب أن يتم تناول ما يجري في حضرموت فالتنظيم الدولي الذي تلقى ضربات حطمت المخطط الرئيسي بأن يكون الجنوب «وطناً بديلاً» للتنظيم هو اللاعب الذي يبحث عن «أمّ الجوائز»، وهي حضرموت.لعبت حضرموت دوراً أولياً عندما اهتز نظام الحكم في صنعاء، فظهر تيار «مثقفون من أجل الجنوب»، وهو تكوين نخبوي قدم مبادرة جريئة للملمة فصائل الحراك الجنوبي وجمعها في جسد واحد، وكان حاضراً حتى مع الهبة الحضرمية الأولى التي تلت اغتيال سعد بن حبريش، وقدم مقاربة سياسية واضحة ارتكزت في مضمونها على الإرث التاريخي للحركة الوطنية المتراكمة في سياق أن التكوين السياسي بدأ من مطالع القرن العشرين، وتكوّن الدول الوطنية الحديثة في العالم العربي بما قدم أنه دولة حضرموت بحدودها من باب المندب إلى ظفار.
بسقوط المكلا بيد تنظيم القاعدة لم يكن بقدر النخب الفكرية أن تواصل حركتها السياسية وحدث الفراغ الذي منه وجد فيه «إخوان حضرموت» الفرصة لملء الفراغ، فتسللوا حتى أنهم دفعوا بالقوى القبلية لتتصدر المشهد الحضرمي، وتمد سيطرتها على المكونات الطارئة في ذلك الفراغ، وحتى بعد تحرير القوات الإماراتية للساحل الحضرمي وتشكيل النخبة الحضرمية ظل «الإخوان» محتمين بالمنطقة العسكرية الأولى المحتلة للوادي والصحراء، اختطفت هذه القوى الحامل السياسي المفترض لحضرموت أن يكون امتداداً لتيار مثقفون وتأصيلاً للتأثير السياسي وقبله الحضاري، فكانت رؤية «مؤتمر حضرموت الجامع» مفرغة من المحتوى السياسي تماماً، فلقد خلصت إلى أن حضرموت إقليم تابع لأي تسوية سياسية فقط وكأنها تقول: «من أخذ أمّنا هو عمّنا».
عملياً حضرموت فقدت الشخصية السياسية بظهور فرع الجماعة التي لطالما لم يكن لها دور يذكر عبر كل المراحل، منذ نشأ التنظيم لم يستطع أن يكون لاعباً في حضرموت بسبب أن حضرموت الساحل كانت تحمل النزعة التنويرية القومية المضادة لفكر جماعة «الإخوان»، كما أن التضاد الفكري بين الصوفية و«الإخوان» منع من وجودها في الوادي وعلى ذلك لم يكن فرع الجماعة الحضرمي حاضراً إلا في المهجر الذي كان حاضناً لأفراد الجماعة الذين حاولوا مراراً وتكراراً التواجد وكل محاولاتهم باءت بالفشل حتى لاحت الفرصة باعتكار الوضع السياسي فقدموا حضرموت كضحية، وها هم يقدمونها كقميص عثمان.
افتعال المظلومية سلوك تقليدي لخطاب تيارات الإسلام السياسي، وهو ما قدمه «إخوان» حضرموت في المهجر ليقودوا حملة مضادة للمشروع الوطني. والتخادم مع القوى ذات النزعة العصبية الدينية أفرز ظاهرة حضرمية صوتية تدعي وقوع مظلومية لتتمكن من المحافظة على ما يمكن أن يكون وطناً بديلاً للتنظيم المهزوم، هذا الواقع الذي يُراد أن تكون عليه حضرموت في مشهد لا يمت لحاضرها ولا حتى لمكتسباتها. فهي صاحبة الأثر السياسي والبصمة غير المنكرة إلا في أذهان فئة تريد حضرموت أن تكون خاضعة لأجندة فاشلة. ولا يليق بحضرموت أن تكون قميصاً لمظلومية، وهي صاحبة الريادة فكراً ونضالاً. العوالم الافتراضية لا تصنع حقائق على الأرض ولن تكون حضرموت إلا وطناً عاصمته الأبدية هي عدن وللأبد.