حل الدولتين بين اليمن وفلسطين

مع تبني جماعة الحوثي اليمنية استهداف إسرائيل بهجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة فإنه من المهم استدعاء الواقعية السياسية في ما يجب استقراؤه في الحالتين المتقاربتين بل والمتقاطعتين في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي واليمني والجنوبي، فلطالما كان العالم متخوفاً من حرب إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، بواعث هذه المخاوف ممتدة عبر عقود لكنها تأكدت من بعد حرب تموز – يوليو 2006 التي شكلت قناعة واضحة للمهتمين السياسيين بأن أذرع إيران لديها من القوة العسكرية المهددة لأمن الشرق الأوسط، والتي تمكنّ معها الإيرانيون من فرض نفوذهم على العواصم العربية بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء هي حقيقة من حقائق السياسة ولا يعني إنكارها انعدامها.

فالسياق السياسي في المنطقة كان يشهد تبريداً سياسياً متزايداً بدأته دولة الإمارات العربية المتحدة منذ 2018 بسياسة أطلق عليها مستشار رئيس الدولة السياسي الدكتور أنور قرقاش سياسة “مدّ الجسور”، واشتملت السياسة على إعادة ضبط العلاقات الدبلوماسية مع إيران وتركيا وإسرائيل وهي القوى الإقليمية الحاضرة في المشهد الشرق أوسطي سياسياً، وعلى ضوء ذلك نجح هذا النهج في اختراق الملف السوري وتمت إعادة مقعد دمشق في الجامعة العربية، وتشجعت القوى الإقليمية للتقارب في ما بينها حتى أعادت السعودية علاقتها الدبلوماسية مع إيران ومضت في مسار مفاوضات سلام مع إسرائيل، وحالة التبريد لم تلغ أن المنطقة ظل فيها اختلال بين محوري ما يسمّى المقاومة والاعتدال.

عند توقيت السابع من أكتوبر 2023 أوعز الإيرانيون في ما يبدو لحركة حماس أن تشنّ هجوماً على إسرائيل، يمكن وصف الحدث أنه انقلاب على مسار التبريد السياسي في المنطقة، فالإيرانيون يدركون أن الوصول إلى اتفاق سلام سعودي – إسرائيلي سيدخلهم في عزلة سياسية، ومنذ العام 1979 قدمت إيران الخمينية نفسها باعتبارها حاملة للواء المضطهدين وأنها ستحرر القدس من يد الاحتلال الإسرائيلي، فالفكرة الأيديولوجية تنامت عبر أربعة عقود ومنها تمدد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط وبات يتحكم في قرارات أربع عواصم عربية غير أنه خسر معركة يتيمة ولكنها إستراتيجية عند حائط مدينة عدن في أكتوبر 2015.

محددات الأمن الجيوسياسي في الشرق الأوسط لا يمكن تجزئتها باعتبارات الأهواء والرغبات، فمع أهميّة ما أعيد طرحه في الصراع العربي – الإسرائيلي على كافة المستويات الدولية والإقليمية من أنه لا حلّ إلا بحلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة بحدود العام 1967، فإن هذا المنطق الواقعي يطرح أيضاً وضع اليمن المنشطر واقعياً بين جنوب يناضل لأجل استعادة وطنه على حدود ما قبل 1990، وهذه ليست مقاربة أو حتى لحظة مواتية لابتزاز أيّ أحد كان بمقدار ما هي لحظة استدعاء للواقعية السياسية المفروضة على كلّ القوى الدولية التي عليها أن تضع في اعتباراتها الأولية تأمين ممرات الملاحة الدولية في بحر العرب وباب المندب الذي يشكل حجر زاوية في الأمن القومي العربي ومفتاحاً لتدفقات التجارة والطاقة العالمية عبر البحر الأحمر ووصولاً إلى قناة السويس المصرية.

تقتضي المصلحة أن يتم النظر بواقعية الأحوال ونتائجها، الحوثيون يطلقون صواريخهم بعيدة المدى التي تصل إلى مسافة ألفي كيلومتر من أبعد نقطة في جنوب شبه الجزيرة العربية ويستهدفون عمق إسرائيل، هذا واقع وليس خيالا كما واقع التعثر في مسار السلام الفلسطيني – الإسرائيلي الذي استفادت منه الفصائل الراديكالية المتشددة في كلا الطرفين، وهذا ما حدث تماماً في الجمهورية العربية اليمنية عندما فشلت الدولة الوطنية وتمكنت القوى الأيديولوجية الإخوانية والحوثية من أن تنتهج نهجاً عدائياً مهدداً لأمن واستقرار المنطقة برمتها.

الموضوعية السياسية تفرض على صنّاع السياسة الدولية والإقليمية إعادة تقييم صحيحة تفرض فيها سياسات تدفع بحلول بعيدة المدى، لن يجدي إطلاقاً التسويف تحت أيّ أنواع الضغوط الوهميّة من اتخاذ قرارات حاسمة بمنح الجنوبيين استحقاقهم السياسي كما هو الحال في فلسطين، كلتا القضيتين تفرضان مساراً واحداً بحلّ الدولتين لفك الاشتباك في الصراع العربي – الإسرائيلي وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني كما هي معاناة الشعب الجنوبي الذي إن تمكن من استعادة دولته أن يكون عنصرا فعالا في مكافحة الإرهاب ودعم التنمية والاقتصاد في المنطقة، وحتى تأتي حلول الواقع السياسية في القدس وعدن سنتابع فصولاً من الرهانات غير الواقعية التي ستفاقم الصعوبات في الحلول السياسية، فهذا هو شرقنا الأوسط الواقع دائماً تحت مباضع جراحين مترددين يعرفون الحل ولكنهم دائماً حائرون حتى وهم يعلمون أن لا مفرّ من حلّ الدولتين بين اليمن وفلسطين