«المتأسلمون» الضالون
هاني مسهور
- لحظة لإفاقة العقل اللبناني
- حتى لا تكون بيروت عدن أخرى
- من شيخان الحبشي إلى عيدروس الزبيدي .. الاستقلال يعنى الاستقلال
- تل أبيب بعد أرامكو.. الحوثي على رقعة الشطرنج
مرة أخرى يجب أن يستيقظ الوعي الجمعي العربي لمواجهة تيارات الإسلام السياسي، هذا الاستدعاء ليس الأول والواجب أن يكون الأخير فلا معنى لتكرار الخطايا التي تكررها هذه التيارات وتتحملها الأوطان العربية بشعوبها الدافعة للأثمان الباهظة من مقدراتها وحياتها. ومن النصف الثاني للقرن العشرين ومن بعد تكون الدول الوطنية العربية الحديثة لم تتعلم هذه الجماعات الدروس وهي تتخذ قرارات دون أن تحاسب على أفعالها وجناياتها.
من المهم استدعاء الوعي الجمعي العربي حتى وإن كان خاضعاً لخطاب شعبوي تسلل بمفاعيل ما منحته الفراغات في الدول الوطنية لهذه التيارات التي أرهبت العقول بخطابها الذي وظف كل ما أتيح له بتوسيع الكراهية للآخر، ما بعد نكسة العام 1967 عملت جماعة «الإخوان» في مصر على شنّ هجوم ساخط على نظام الحكم السياسي باعتبار أن الهزيمة هي عقوبة إلهّية نزلت على سياسات الرئيس جمال عبدالناصر القومية، اتسعت اللغة الساخطة على الأنظمة العربية حتى وصلت إلى أبعد منها لتلامس الشعوب ذاتها بأنها ابتعادها عن الدين الإسلامي بحسب التعريف «الإخواني» هو الذي هزم الجيوش في يوم 6 يونيو 1967.
اليساريون العرب المصابون بخيبة أمل من الهزيمة التحقوا ضمن خطاب جماعة «الإخوان» الساخط على الأنظمة الحاكمة، تفاقم جلد الذات مع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل 1978، ومع الثورة الإسلامية الإيرانية وسقوط نظام الشاه في إيران 1979 كان فصلاً آخراً قد فتح في إغراق العقل العربي بلغة آحادية الصبغة عمقت من الشعور بالخيبة والانكسار النفسي، ومن هنا وجدت التيارات الإسلاموية السنيّة والشيعيّة من بعد ما أطلق عليه «الصحوة» من تكريس الإرهاب الوجداني عبر ضخها لمجموعة كبيرة من الأفكار الدينية دون حدود حتى لم يعد أحد قادر على مجرد تفنيد صحتها.
عندما قرر تنظيم «القاعدة» شنّ هجماته على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001 كان ينطلق من الرؤية الأحادية التي تنظر من خلالها التيارات الإسلاموية معتقدة أنها مخولة عن مجموعة الدول العربية والإسلامية لتذهب في هجومها الإرهابي، بما أن هذه التيارات تدرك مدى الانهزام النفسي والمعنوي في الشعوب فهي أظهرت خطاباً حاداً في تقسيم العالم بين ما أسماه أسامة بن لادن بـ «الفسطاطين» الإيمان والكفر، وهذا ما ذهب إليه «حزب الله» اللبناني في حرب تموز 2006 عندما قرر خوض حرب غير متكافئة مع إسرائيل ليتكبد فيها لبنان ضربات أصابت البنية التحتية الاقتصادية بضربات مباشرة ومع ذلك لم تمنح التيارات الإسلاموية لأحد الاعتراض على قراراتها تحت سطوة إرهابها الخطابي المتعسف.
منذ«الربيع العربي» فرضت الجماعات الراديكالية إرهابها الخطابي في غير اكتراث بما تتكبده النظم الوطنية والشعوب العربية من خسائر سياسية واقتصادية حولت جزءاً من البلدان العربية إلى الفشل وفقاً للمعايير الدولية ومع ذلك فإن هذه الجماعات تمارس القمع الفكري لكل فرد أو فئة ترفض تصرفاتها، يحدث كل هذا كنتيجة للحظة انفلات سياسية وفكرية تمثل في واقعها انكساراً حاداً في الوعي الجمعي العربي، الانفلات الذي حدث أوجد فراغاً هائلاً ملأته التيارات الراديكالية الدينية وأغرقت العقل مع الوجدان العربي بهزيمة لا قاع لها، من بعد ذلك وعلى مدار عقود يخضع العقل العربي الجمعي لإرهاب بشع من الراديكاليين المتعصبين حتى بلغ الحال أن مجرد التفكير خارج حدود النطاق المتعارف عليه فيما رسمته هذه التيارات يعد جريمة يشنع بصاحبها عبر ما يتاح من منصات إعلام حتى تلك الحكومية الواقع (بعضها) تحت مخالب هؤلاء المتأسلمين الضالين السبيل.