تحليل: العملية الاسرائيلية في الحديدة
العملية الاسرائيلية في الحديدة
ثابت حسين صالح*
في19نوفمبر، اختطف الحوثيون سفينة شحن في البحر الأحمر واحتجزوا طاقمها كرهائن، مشيرين إلى ارتباط السفينة بمصالح تجارية إسرائيلية، كما هاجموا سفينتين تجاريتين أخريين في 3 ديسمبر.
بعد ذلك أعلن الحوثيون إنهم نفذوا سلسلة من الهجمات بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على إسرائيل منذ عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حماس في السابع من أكتوبر 2023.
وفي حين أنّ صواريخهم كانت غير فعّالة إلى حدّ كبير بسبب أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتقدّمة، مثل “القبة الحديدية” و”مقلاع داوود” ونظام “آرو 3” بعيد المدى الذي اُستخدم لأول مرّة رداً على هجوم الحوثيين في 31 أكتوبر ،علاوة على ذلك، تسمح القواعد العسكرية الإسرائيلية على الجزر الإريترية في جنوب البحر الأحمر، بالقرب من الساحل اليمني، بالكشف المبكر عن التهديدات... إلّا أنّ هجمات الحوثيين قد ساعدت على اتساع حدة التوترات واتساع رقعة الحرب في المنطقة العربية.
التحول النوعي في مسار الحرب حدث حينما أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن هجوم بطائرة مسيرة على تل ابيب ادى إلى مقتل مواطن إسرائيلي وجرح آخرين - حسب الإعلام الإسرائيلي-.
فلم يتأخر الرد الإسرائيلي على الحوثيين أكثر من 48 ساعة حينما قرر مجلس الحرب الموافقة يوم السبت 20 يوليو على أهداف الهجوم،لضرب موقعين في ميناء الحديدة وبالقرب منه:
الأول: البنية التحتية للطاقة، حيث تمت مهاجمة حوالي 20 منشأة تخزين للوقود، معظمها داخل مجمع الميناء وبعض منشآت التخزين التي وضعها الحوثيون بالقرب من الميناء.
الثاني: قدرات تفريغ البضائع في الميناء، حيث استهدفت إسرائيل عمداً رافعات وظيفتها تفريغ البضائع من السفن إلى الرصيف.
أعتقد أن الضربة التي نفذتها طائرات اسرائيلية مقاتلة ليلة أمس السبت، على ميناء الحديدة قد حققت هدفها المتمثل بالحاق خسائر اقتصادية كبيرة باقتصاد الحرب الحوثي وشريان امدادته اللوجستية التي ظلت متاحة له منذ بداية الحرب قبل حوالي عشر سنوات.
تميزت الضربة الإسرائيلية بكثافة النيران وبسرعة ودقة اختيار وإصابة الهدف وحيوية واهمية الهدف والتمهيد والتغطية الإعلامية والنفسية لهذه الضربة كرد اسرائيلي قوي وعنيف على هجوم حوثي، بطائرة مسيرة، سقطت في تل ابيب، واعلن الحوثيون بتفاخر مسؤوليتهم عن هذه العملية.
وإذا كان الحوثيون قد وفروا لإسرائيل كل مبررات هذه الضربة...فإن إسرائيل من جانبها قد وفرت للحوثيين مادة إعلامية لصرف انظار الداخل اليمني عن مسؤولية الحوثيين عن ما وصل إليه الناس من مجاعة ومذلة وهوان.
حتى الآن ما زال الحوثيون يهددون الملاحة الدولية في البحر الأحمر ويهددون كذلك بضرب مطارات ومصالح نفطية في السعودية ويتوعدون بضرب المنشآت النفطية في اليمن الجنوبية تحديدا حضرموت وشبوة....وهو ما يفسر على أن الضربات الجوية الأمريكية لم تحد كثيرا من قدراتهم على تهديد الملاحة الدولية.
على مر التاريخ وحاضرا ومستقبلا ،الضربات الجوية والصاروخية وحدها لم ولن تحسم الحروب أو المعارك.
الحسم ممكن فقط بالمعارك البرية باسناد جوي وبحري ومحلي.
إسرائيل ليست معنية بإسقاط الحوثيين أو هزيمتهم، بقدرما هي معنية بالرد على هجمات وتهديدات الحوثيين المدعومين في إيران. إسرائيل بضربات السبت ارادت توجيه رسالة مزدوجة لكل من الحوثيين وايران.
لا أدري عن أي رد أو عن أي وسائل يتحدث الحوثيون للرد على هجمات إسرائيل.
فمقابل إعلان الحوثيين عن هجوم بطائرة مسيرة واحدة على إسرائيل...ردت الأخيرة بهجوم شاركت فيه 12 طائرة.
من هنا يمكن فهم طبيعة الرد الحوثي...أخذا بعين الاعتبار التفوق العسكري الشامل لإسرائيل.
لكن اعتقد أن على الحوثيين أن يردوا بأي شكل من الأشكال منفردين أو بالتنسيق مع الجماعات الموالية لإيران وخاصة في لبنان والعراق.
لا توجد لدى الحوثيين اسلحة يمكن أن تشكل مصدر قلق لإسرائيل، لكن الحوثيون يستطيعون استخدام وسائل كالطيران المسير والصواريخ الباليستية بالتنسيق والتعاون مع حزب الله أو الحشد الشعبي.وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى أن الطيران المسير اخترق أجواء تسيطر عليها روسيا العظمى...ولا ننسى أن إسرائيل وكذلك روسيا وحتى أوكرانيا اسقطت العديد من الطيران المسير المعادي، ووسائل التعامل مع هذا النوع من السلاح تتطور وتتقدم كل يوم.
بالنسبة لإسرائيل فإن الصراع مع إيران واذرعها كان محكوما بقواعد لعبة تحت السيطرة...لكن الحوثيون ربما تجاوزوا خطوط هذه اللعبة لحاجة في انفسهم وهي تصدير معاركهم إلى الخارج وجر المنطقة النفطية إلى حرب طاحنة وكانهم يقولون "علينا وعلى اعدائنا".
لن تتضرر لا إسرائيل ناهيك عن امريكا، سيتضرر أكثر وأكثر اليمن الجنوبي والشمالي ومصر والدول المطلة على البحر الأحمر.
*باحث ومحلل سياسي وعسكري