الأسير أحمد العبادي المرقشي
د. عيدروس النقيب
- القرصنة ليست دعماً للقضية الفلسطينية
- القضية الجنوبية ومعضلة الخط المستقيم(1)
- لحظات في حضرة اللواء الزبيدي
- بين عبد الملك ومعين عبد الملك
لن أضيف جديداً إذا ما تحدثت عن الوضع الجائر الذي مر وما زال يمر به الأسير البطل المناضل أحمد عمر العبادي المرقشي المعتقل ظلماً وعدواناً في قضية شهد على طبيعتها الكيدية القاصي والداني، وعجز القضاء المسيس والمخترق من أجهزة الأمن العفاشية أن يصوغ أي حبكة أو يصطنع أي وسيلة لإدانته، ومع ذلك يستمر احتجازه ظلماً وافتراءً وانتقاماً ليس الا.
قضية الأسير المرقشي ليست قضية جنائية فقط، بل إنها قضية سياسية بامتياز يتكثف فيها موقف حكام اليمن من الجنوب وأبنائه، ولكي لا يتهمنا أحد بإطلاق الكلام على عواهنه أشير إلى بعض التفاصيل التي يعرفها الكثيرون والمتصلة بموقف صحيفة "الأيام" ورئيس تحريرها الفقيد هشام با شراحيل من ثورة الحراك السلمي منذ ما قبل العام 2007م بل منذ العام 1996م عند محاولة إشهار اللجان الشعبية التي عمل نظام عفاش بكل أجهزته وخبرته ومخبريه وأدواته القذرة لوأدها حتى ظن أنه قد نجح في ذلك فعلاً، وقد كان الأستاذ هشام أحد أبطالها ومن ثم أحد ضحايا محاولة خنقها.
عندما اندلعت ثورة الحراك السلمي في العام 2007م كانت صحيفة الأيام هي النافذة الإخبارية الأولى التي تتناول كل ما يتصل بالحراك السلمي من فعاليات ومسيرات احتجاجية واعتصامات سلمية ومواجهات سلمية ودامية، وما تتعرض له تلك الفعاليات من أعمال قمع وقتل وتنكيل وملاحقة وغيرها من التفاصيل التي ليست موضوع هذه التناولة.
قال لي أحد الزملاء المطلعين على تفاصيل ما يجري في مطابخ علي عبد الله صالح أن الرجل لديه فِرَقٌ متخصصة داخل الحرس الجمهوري مهماتها السطو على الأراضي أو نهب المملتكات الشخصية أو خطف السواح والدبلوماسيين الأجانب أو مضايقة المعارضين السياسيين، بما في ذلك تصفية بعضهم، وغيرها من المهمات القذرة التي غالباً ما يكون الهدف من ورائها الابتزاز السياسي أو فرض إتاوات معينة يكون نصيب الأسد إن لم يكن كل النصيب للزعيم.
وفي هذاالسياق يمكننا فهم القضية التي تكمن وراء اختطاف واحتجاز العبادي ظلماً وعدواناا.
فعندما فكر آل با شراحيل في بيع الفلة التي يملكونها في صنعاء منذ نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات، وبسعر تلك الأيام، جاء أحد أفراد العصابات المذكورة وهو ضابط في الحرس الجمهوري بصحبة مجموعة من المسلحين، مدعياً أنه صاحب هذا العقار (الأرض وما عليها)، وقد قال لي هشام الله يرحمه أنهم اشتروا الأرضية في عام 1980م بسعر عشرين ألف ريال يمني وبوثيقة بيع مسجلة في السجل المدني، حينما كانت المنطقة عبارة عن غابة تمتلئ بالحيوانات المتوحشة من أفاعي وثعالب وذئاب وغيرها.
وعلى العموم ما يهمنا هنا هو أن مخرج الفيلم وقع تحت إغراء ضخامة المبلغ وسخر هذا الإغراء لقضية الانتقام من صحيفة "الأيام" وصاحبها، وجاءت حكاية القتيل الضحية لتوريط "الأيام" وطاقمها في تهمة تجبرها على الخضوع للعملية الابتزازية ببعديها المالي والسياسي.
لا أحب أن أطيل الحديث في التفاصيل، لكنني هنا لا أذيع سراً إذا ما قلت أن أحد شهود الإثبات (لصالح القتيل) وهو من المجموعة التي هاجمت مقر "الأيام" قال في شهادته المسجلة في ملف القضية أن الرصاصة التي أودت بحياة الشاب القتيل لم تأت من ناحية بوابة المبنى (التي كان يقف عندها الأسير العبادي)، بل أتت من خلف القتيل الذي كان يتجه باتجاه العبادي، أي من جهة الجماعة المهاجمة التي قادها الضابط المدّعي بالملكية، وهو ما يعني باختصار أن القاتل هو من المهاجمين لمبنى "الأيام"، بغض النظر عمَّا إذا كانت الطلقة عن طريق العمد أو الخطأ.
كل القضاة الذين تولوا القضية قفزوا على هذه الحقيقة وجميعهم يعرفها كما يعرفها جميع المحامين لكن هكذا أراد المخرج.
وعموما المخرج سقط، وسقط نظامه، وجاءت الصفقة التي دفعت بالرئيس هادي ابن محافظة المرقشي، وابن قبيلته (وهذا لا علاقة له بالبعد القانوني في القضية) إلى موقع الرجل الأول في البلد، واعتقد البعض أن الأسير المرقشي على أبواب الحرية، ظنًّا منهم أن الرئيس هادي سيحرص على العدالة وتطبيق القانون وإنصاف المظلومين، والمرقشي أحدهم بطبيعة الحال لكن ماذا حصل؟
لم يحرك الرئيس هادي ساكناً، ويبدو أن مشاغله كانت أهم من موضوع شخص ضحية لغياب العدالة اسمه المرقشي، بيد أن الجميع يتذكر أنه صرف تعويضات مالية مجزية في عشرات القضايا معظمها لا علاقة لها بالجانب الإنساني بل وبعض الأطراف ممن حصلوا على التعويضات جناة ومجرمون يفترض أن يكونوا خلف قضبان السجون.
بقيت ملاحظتان:
الأولى: أن أحمد عمر العبادي المرقشي ليس عاطلًا عن العمل بلا تأهيل وبلا خلفية مهنية وثقافية وجد نفسه مضطراً للعمل كحارس مبنى، بل إنه مهندس كهربائي سابق من ضحايا التسريحات الإجبارية في العام 1994م وهو يمتلك خلفية سياسية وثقافية ومهنية تؤهله لتبني موقف سياسي ناضج يمكنه الدفاع عنه باستمامة مهما كانت التكلفة، وموقفه من القضية الجنوبية له جذوره السياسية والوطنية.
االثانية: أن الأسير العبادي هو أحد الفدائيين الذين تطوعوا للقتال في جنوب لبنان وفلسطين منذ العام 1982م ضمن كتيبة المتطوعين الجنوبيين، عمل كقاذف آر بي جي، وشارك في عددٍ من العمليات العسكرية على موقع القوات الصهيونية في الجنوب اللبناني وداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو يفاخر بهذا الدور ويعتبر تلك الفترة هي الفصل الذهبي في حياته، وقد عمل تحت قيادة الرئيس الشهيد ياسر عرفات شخصياً وحصل على عدد من الشهائد التقديرية إحداها بتوقيع الرئيس الشهيد عرفات عليه رحمة الله.
لا يسعني إلا أن أتوجه لجميع المنظات الحقوقية الجنوبية والشمالية والعربية والدولية بالدعوة لتنظيم حملة تضامن واسعة تستهدف إطلاق سراح الأسير المخطوف البطل أحمد عمر العبادي المرقشي الذي مضى على اعتقاله أكثر من عقد من الزمن لم يعرف خلالها جلسة محاكمة عادلة واحدة حتى في عهد الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي يفترض أنه جاء للقضاء على مظالم عصر علي عبد الله صالح التي ذاق منها الكثير والكثير.
الحرية لأحمد عمر العبادي المرقشي!
والعار كل العار للطغاة والمستبدين والمتخاذلين والعابثين بأهم حق من حقوق الإنسان، وهو حقه في الحرية.