منها وما بطن
د. هشام السقاف
- تقبيل أيدي أردوجان على طريقة عسكر زعيل
- التحدي الحقيقي
- كهرباء.. كهرباء لحج
- محمد علي باشراحيل.. أيقونة عدن
عدنا من الحرب مثخنين بالجراح، لم تكن عدن هي عدن، قبل أن يرحل الغزاة كان العدو واضحا وكان أبناؤها يتسابقون على الشهادة في معركة مع العدو غير متكافئة، أتذكر مقولة الإمام علي: «دع العدو يبادئك بالعدوان، لا تكن البادئ»، وهكذا كان الأمر لعدن ولشبابها، فقد كللت دماؤهم شوارعها بنصر معجز، لكن المدينة تتعافى ببطء، ونرى من مساوئ الصور المحزنة أن تكون مثلها في عدن ما يؤخر الفرحة الكبرى للأحياء من قاطنيها المحبين وحتى للشهداء في جنات العلى - إن أراد الله.
هذه المدينة التي أهرق حبر كثير على جوانب المديح في ثناياها ليست بحاجة لذلك، والصنيع المعمول بكل أيادينا الجمعية صنيع مغاير لما ألفت عليه وائتلف بها ليشكل سيرورتها المدغومة في ثنايا الجمال التاريخي الذي ينبثق من الجبل والبحر ويتسمى بمسميات الحكاية التي لا تكتمل من هدهدات المهد الطفولي إلى صدى السمرات في زوايا القطيع وحارة حسين والزعفران.
تواجه المدينة فعل التاريخ السلبي والمغاير وغير المعتاد، وهو خط بياني يتحدر إلى الأسفل، ليست عدن بمنأى منه كأي كيان إنساني أو بنيان حضاري تتعاقب عليه الملمات كما هي التجليات الرائعة وما بينهما هي السيرورة بعينها لإنسان في عدن - وهي مقصدنا والقصد - تأخذه هيئة المكان إلى الاندغام في التعدن الاجتماعي والمكاني دون بحث عن دين أو ملة أو مذهب، عن أصل وفصل أو جذور ومنابت من خارج بركانها الثائر فهي من يتكفل بصناعة المكوث والتعدن الراقية تلك.
لقد استشهد في الحرب البطولية غير البعيدة البدوي واليافعي واللحجي والحجري والتعزي والضالعي والحضرمي والردفاني والصبيحي والشبواني والأبيني والمسيميري، استشهدوا دون مسميات يتسمى بها هؤلاء الأبطال الشهداء، والشهداء الأحياء غير تسمية (العدني)- ولله درهم من أبطال.
لا يجوز بعد ذلك أن نضاعف أحزان المدينة/ الأيقونة بعبث ما بعد الانتصار ما بعد الحرب حتى وإن كانت ذيول هذه الحرب باقية.. وليس ما يبرر في بعض الأوقات أن نتذرع بغياب الدولة أو السلطة طالما بقيت في صدورنا قبسة من أخلاق وشرف، مثلا هل ماتت مكانة الأب في تراتبية الأخلاق أن يردع ابنه العريس وصحبة من العبث بأرواح الناس بلعلعة الرصاص الذي يحصد الأرواح عند رجوعه المخزي والمحزن على رؤوس أطفالنا ونسائنا في الليالي المقمرة التي لا تعود سوى ليال مظلمة بعد كل رصاصة تثقب الرؤوس دون ذنب؟!
لماذا يتدنى السلوك العام إلى مستويات دون الصفر في سيرنا حفاة أو على الشاصات والأطقم المسرعة المخالفة لقواعد الأخلاق ناهيك عن المرور، أو أولئك الذين يتمنطقون السلاح والشرر يتطاير من الأعين في الأسواق وكأن المارين بجوارهم هم الأعداء بعينهم؟ ألا يلزمنا ذلك كمسئولين وقادة وآباء ومدرسة ومسجد وكلية أن نعلمهم أن هذه عدن وليست قرية في أفغانستان، وأن حب الجنوب يبدأ من حب عدن وينتهي فيها، وأن عدن حاجة ثقافية وتعليمية وتاريخية وأدبية وإنسانية؟ يجب أن تفهم هكذا وما عداه يعدّ عدوانا وظلما عليها ولا فرق بين (الرايتين)، كما قال محمود درويش.
نشعر بالتحسن اليومي في عدن بالمقارنة بما بعد الحرب، لكنه ليس كافيا، أليس من العار أن يقارن البعض حالة مأرب بعدن بالعلامة الجيدة لمأرب؟!
أليس من صميم واجبنا نحن في المدينة الـ(كسمو بوليتكن) أن نبادر لصنع شيء يعيد التوازن المنطقي والعقلي والوجداني إلى عدن؟ ألسنا أهل قربى لها أكثر من إدارة الإنجليز التي جعلت للعصا وزنا لا يزيد ولا ينقص مجرمة من يتجاوزه؟!
أليس بإمكاننا أن نكون كمواطنين عين الأمن وأذنه لمساعدة الأجهزة بأن تعمل عملها؟
ألسنا كتنظيمات ومجالس وهيئات وأحزاب جنوبية وطنية تدعي حب هذه المدينة بأفضل من آخرين أفردوا لعدن مكانة متميزة في مسودة الدستور القادم؟!
ألسنا قادرين على إعلان عدن مدينة خالية من السلاح أولا ونجعل المعسكرات طوقا في معصمها بعيدا عن حياضها الإنساني المخملي الناعم؟! دون أن نقلل من قيمة هذه القوات. ولكن وجودها ليس بين جنبات ونبضات المدينة التي لن يدخلها مستثمر مادامت على هذه الشاكلة. بل إننا إذا كنا نحلم بـ(هونج كونج) الجزيرة العربية فعلينا أن نعدها إعدادا إداريا صحيحا لتكون دجاجة الجنوب التي تبيض ذهبا، كمنطقة حرة كما كانت سابقا وبمواصفات العصر وما طرأ فيه، وأن تطلب الأمر منع التحزب فيها.
ألسنا نأمل في مستقبل أفضل لأبنائنا؟ فلنبادر بعقلية القادرين لا العاجزين والمعاقين فكريا، ولنصنع شيئا من رد الجميل لعدن.
هل ننتظر ذلك؟