جعفر ..روح عدن
منصور صالح
- البداية السليمة لمستقبل أفضل
- ما يجب أن يدركه العفاشيون !
- وهم الدولة والثورة
- افضال الانتقالي الجنوبي
رحم الله الشهيد جعفر محمد سعد ، الرجل الذي كان طيفاً جميلاً مر أمامنا واختفى ومع ذلك لم يغب عن العين والمخيلة.
لم التقه سوى مرة واحدة في حياتي ، في مدينة المنصورة بعدن، يومها كنت أدير ورشة عمل لمركز مدار للدراسات وكان المحافظ جعفر ضيفاً عابراً، قلت له لابد من كلمة أخي المحافظ فاعتذر في البدء، لكن بمجرد ان لمح اصراراً مني قبل وتحدث طويلاً.
كانت الورشة سياسية بأمتياز وكان المتحدثون فيها مشغولون بالحديث عن المستقبل وعن نظريات الحكم والمعارضة وما إلى ذلك.
وحده جعفر كان يعيش الواقع كما هو، مشغولاً بهموم الناس الذين علقوا عليه آمالهم ، وأتذكر يومها كيف ضجت القاعة بالتصفيق حينما قال رحمه الله (يومان وسنضع حداً لأزمة الغاز المنزلي وسنوقف استغلال بعض المتعهدين لمعاناة الناس).
في تلك الأيام كانت مشكلة الغاز المنزلي واحدة من أبرز مايشكوه أهالي عدن ،إضافة إلى مشكلات أخرى بعضها ان لم يكن أغلبها مازال قائماً إلى اللحظة.
كنت وكثيرين في عدن نعجب أي عشقٍ يكنه هذا الرجل لمدينته ، حتى يترك حياة الرخاء في مدينة الضباب ويأتي ليعيش في مدينة منهكة ومدمرة لايناله من منصبه الرفيع فيها سوى هموهما ومواجعها .
كان كل شيء في عدن فاجعاً وموجعاً ومكلفاً ، وحده الموت كان أرخص الأشياء وأوفرها ،وأكثر مايحتاجه أهلها كان معدوماً الماء والكهرباء والصحة والأمن والنظافة.
ورغم قسوة كل شيء حوله كان جعفر يمضي باحثاً عن معجزة وكأنه يبحث عن إبرة في كومة قش.
كان يغادر منزله صباحاً ولا يعود إليه إلاّ مساء وهو مثقلٌ بأوجاع وهموم تنؤ بحملها الجبال. يجر آهاته عميقة ثم يبتسم لمجرد نجاحه في إعاده الضوء إلى منزل في حي بعيد بعد ان عاش في الظلام لنحو عام.
لم تكن لدى جعفر عصاً سحرية لكن مجرد حضوره في حياة أهله في عدن يقاسمهم آلامهم وأحلامهم يمنحهم أملاً في امكانية تجاوزهم هذه اللحظة التاريخية العصيبة في تاريخ مدينتهم.
لم يعد جعفر أهالي عدن بمشاريع عملاقة كالصيف البارد أو السكة الحديد ،لكنه صدقهم في حديثه وتعامله وعاش أوجاعهم وحين رأى ابنة شهيد في احتفال مدرسي لم يلتقط معها صورة للاستعراض بل احنى رأسه مابين كتفيه وبكى بأبوّة حانية كما لم يفعل مسؤولاً مثله.
لم ينهب أرضا ولم يوظف ولداً أو يعين زوجة بل أمضى ما استطاع من عمره في خدمة أهله وشعبه وحين مضى شهيداً مضى وحيدا لم يترك لأسرته بيتا ولاراتبا بدرجته المستحقة بعد ان لم تعترف له الشرعية بحقه وهي من عينته محافظا بدرجة وزير.