الحوثيون.. ومناوراتهم السياسية بالسويد
بات جليّا إن الحوثيين قبضوا سلفا ثمن انسحابهم من الحديدة، بغض النظر هل الانسحاب شكلي أم حقيقي. ساوت الأمم المتحدة بين “أنصارالله” ووفد “الشرعية” اليمنية ، ويعدهذا نجاح كبير لمجموعة يمنية تابعة مباشرة للقرار الإيراني وتعتبر جزءا لا يتجزّأ من المشروع التوسعي الذي تنفذه طهران خطوة خطوة منذ ولادة “الجمهورية الإسلامية” قبل أربعين عاما تقريبا.
في كلّ الأحوال، يبدو الحوثيون المستفيد الأوّل من اتفاق الحديدة، خصوصا بعد تكريس الأمم المتحدة لأمر واقع في اليمن وحصر مشاورات ستوكهولم بهم وبـ”الشرعية.
كان مهمّا وقف القتال، أقلّه في الحديدة، لكن إلى الآن يظلْ الاتفاق مجرّد هدنة، ويخشى بعده عودة القتال كي يتبيّن مرّة أخرى أن الحوثيين مارسوا كعادتهم لعبة المناورات السياسية التي لا هدف منها سوى كسب الوقت، هذا ما فعلوه في الماضي وهذا ما يبدو أنّهم يفعلونه الآن بعدما أخذوا من الأمم المتحدة ما يسمح لهم بأن يكونوا “الشرعية الأخرى”.
أكد الإعلامي اللبنانب خير الله خير الله، لصحيفة "العرب" أن الأمم المتحدة جاءت مدعومة من وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت لتثبيت شرعية “أنصارالله” بصفة كونهم يمثلون كلّ الشمال اليمني، كما أنه دليل على مدى الاهتمام البريطاني بالحديدة ومينائها في وقت تسعى بريطانيا إلى استعادة وجودها في منطقة البحر الأحمر.
ما لعب دورا في إقناع الحوثيين بالانسحاب، كان الضغط العسكري الذي مارسه التحالف العربي في الحديدة ومحيطها. كان هناك استهداف حقيقي من طائرات دول التحالف لمواقع “أنصارالله” خارج الحديدة، أجبرهم ذلك على الارتداد في اتجاه المدينة والاحتماء بسكانها المسالمين أصلا. لكنّ المستغرب كان ذلك الإصرار لدى الأمم المتحدة ومبعوثها على تفادي أيّ حسم من أيّ نوع لمعركة الحديدة. هل صحيح أن “الشرعية” كانت عاجزة عن الحسم، أم وراء الأكمة ما وراءها وأن المطلوب في نهاية المطاف أن يكون لبريطانيا وجود في الحديدة عن طريق الأمم المتحدة؟
لم يحترم الحوثيون في يوم من الأيّام أي اتفاق وقعوه مع أي طرف. تظاهروا بتقاسم السلطة مع علي عبدالله صالح ثمّ اغتالوه في ديسمبر 2017. ما الذي سيفعلونه الآن بانتصارهم الجديد الذي كرّسهم قوّة أمر واقع في شمال اليمن، تماما مثلما أنّ “حماس” قوّة أمر واقع في غزّة، على الرغم من أنّ الاتفاق الأخير سيخرجهم عسكريا من الحديدة؟
إذا نظرنا إلى أحداث الماضي القريب، نكتشف أنّ “أنصارالله” عرفوا كيف الاستفادة إلى أبعد حدود من تسليم الحديدة التي يرجح أن يكون فيها وجود بريطاني قوي مستقبلا عبر “القبعات الزرق”. لم يعد هناك ما يهدّد وجودهم في صنعاء وقسم من تعز وتحولوا إلى جزء لا يتجزّأ من المعادلة اليمنية الجديدة التي تحظى بدعم دولي.
على الرغم من ذلك كلّه، هناك أكثر من سؤال يتعلّق بمستقبل الحوثيين. الثابت أن الجواب عن أي من الأسئلة المطروحة ليس متوافرا الآن. سيتوافر الجواب متى علمنا ما ستكون نتيجة المواجهة الأميركية – الإيرانية وهل إدارة دونالد ترامب مستعدة للذهاب إلى النهاية في هذه المواجهة.
الحوثيون ليسوا في نهاية المطاف سوى أداة من الأدوات الإيرانية في المنطقة، في كلّ ما فعلوه إلى الآن، كشفوا قدرة كبيرة على المناورة سياسيا وعسكريا، تبدو نهاية مناوراتهم مرتبطة إلى أبعد حدود، أكثر من أيّ وقت، بمستقبل إيران لا أكثر ولا أقل.