الجرائم الحوثية الـ1600 والتواطؤ الأممي والتحرك البريطاني.. اليمن يتمزق
رأي المشهد العربي
"أن يتجاهل طرفٌ ما انتهاكاً ربما يشير ذلك إلى محاولته منح فرصة أخرى حتى لا يتكرر.. لكن عندما يستمر ذلك أكثر من 1600 سيتحول الأمر قطعاً إلى تواطؤ".. يحدث ذلك في اليمن.
عندما وقِّع اتفاق السويد في 13 ديسمبر الماضي بالعاصمة ستوكهولهم، عُلِّقت عليه الكثير من الآمال لأجل وقف الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثي الانقلابية منذ صيف 2014، ونُظر إلى الأمم المتحدة (راعية الاتفاق) بأنّها طرفٌ وسيطٌ يسعى لوقف الحرب، لكنّ منذ ذلك التاريخ يحدث شيء واحد، وهو خروقات مستمرة من المليشيات الحوثية.
يقول وزير الخارجية خالد اليماني إنّ إجمالي عدد الخروقات الحوثية التي رصدها التحالف العربي منذ توقيع اتفاقية السلام المبرمة في السويد وصل إلى أكثر من 1600 خرق.
اليماني تحدّث لصحيفة "البيان" الإماراتية عن التزام الحكومة بتنفيذ جميع الاتفاقيات المبرمة بموجب القانونين الدولي والإنساني، مؤكداً في الوقت ذاته ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة لمعاقبة النظام الإيراني على دوره في دعم المليشيات الحوثية وتزويدها بالسلاح، مشيراً إلى أنّ الانقلابيين يرفضون فتح الممرات الإنسانية الآمنة لإدخال القمح والمواد الغذائية التي تتراكم في مطاحن البحر الأحمر، وأنّ هذه المواد الغذائية تكفي لقرابة أربعة ملايين نسمة من أبناء اليمن.
وحمّل اليماني المليشيات الحوثية والنظام الإيراني مسؤولية فشل الاتفاق والخروقات المتواصلة، وبخاصةً في الملف الإنساني، وصرح: "السبت الماضي انتهى الموعد المفترض لإتمام المرحلة الأولى من خطة إعادة الانتشار، ولا تزال المليشيات ترفض الانسحاب من ميناء الصليف وميناء رأس عيسى، دون إبداء الأسباب".
وأوضح أنّه وفقاً للإجراءات المتبعة في هذا الشأن، كان من المفترض أن يتم تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، بفتح وتأمين الطريق إلى مطاحن البحر الأحمر، إلا أن المليشيات ترفض الالتزام بالاتفاق سعياً للاستمرار في استثمار المأساة الإنسانية باليمن، وأكّد أنّها امتنعت حتى الآن عن تسليم خرائط الألغام التي زرعتها في المنطقة، وتصرّ على عدم إزالة الألغام من مناطق إعادة انتشارها، وبخاصةً أن تسليم خرائط الألغام وإزالتها أمر جوهري لتنفيذ الاتفاق.
ما يحدث في اليمن يعطي انطباعاً حول مدى الجُرم الدولي المرتكب ضد المدنيين، ففي الوقت الذي تصدر فيه الكثير من الدول والمنظمات تقارير حول تردٍ مروّع في المعاناة الإنسانية، تقف في الوقت نفسه - وعلى رأسها الأمم المتحدة - متواطئة بصمتها إزاء الخروقات التي ترتكبها المليشيات الحوثية لا سيّما منذ توقيع اتفاق السويد.
وتشير المعطيات الراهنة إلى أنّه لا يمكن الثقة في التزام حوثي بأي اتفاقات يتم التوصّل إليها، وهذا كله يندرج في إطار إطالة أمد الأزمة، وهذا يعتبر وسيلة للمليشيات حتى تصل إلى غايتها، وهي تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية والعسكرية، وهذا من خلال فرض سياسة أمر واقع، تدركها جيداً الأمم المتحدة لكنّها تقف صامتةً إزائها.
ورغم الكثير من الاعترافات الدولية والأممية حول الجرائم التي ترتكبها المليشيات وتعقِّد من خلالها سبل التوصّل إلى حلٍ للأزمة، إلى أنّ شيئاً لم يحدث، وهو ما يفقد الثقة إلى حدٍ كبير أي تحرّك دولي ينهي المأساة التي تشعلها الحوثي.
على الجانب الآخر، تُظهر الحكومة ما يمكن اعتباره عجزاً عن إحداث تغيير جذري في سبل التعاطي مع الأزمة، وبات الدور الوحيد الذي تقوم به الحكومة هي تصريحات إعلامية تتحدث خلالها عن خروقات وانتهاكات الحوثيين، لكنّ من الواضح أنّها لم تصل إلى إقناع المجموعة الدولية - ممثلةً في الأمم المتحدة - للتحرك على الأرض بعيداً عن تصريحات الطاولات الدبلوماسية الداعية إلى تكثيف جهود حل الأزمة، دون أن يُنفِّذ أحدٌ شيئاً على الأرض.
لكن في الوقت نفسه، يمكن النظر إلى شعاع ضوء مصدره أوروبا، وهو يتمثل في تحرُّك بريطاني يسعى - كما قيل - للضغط على المليشيات الحوثية للتوقُّف عن زرع العراقيل المفخخة أمام تحقيق تقدم سياسي على الأرض، اتضح جلياً عندما أظهر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت حزماً أكبر في دعوته للمليشيات - بشكل صريح ودون مواربة - بالانسحاب من الحديدة.
ويُفسِّر ذلك شعور بريطانيا بالقلق في تطورات القضية اليمنية، تتعلق بتصاعد المخاوف من الدور الذي تلعبه أذرع إيران في المنطقة، وهو ما حدا بها إلى تصنيف مليشيا حزب الله كمنظمة إرهابية، إضافةً إلى الشعور المتزايد بأنّ سياسة التدليل التي تمارس مع اليليشيات الحوثية لا يمكن أن تؤدي إلى إنجاح أي تسوية سياسية في اليمن يكون الحوثي جزءاً منها.
وتعمل دولٌ غربية على نجاح اتفاق السويد لا سيّما فيما يتعلق بملف الحديدة، باعتبار أنّ نجاح هذا الأمر يحوّل الاتفاق من الاقتصار على منطقة واحدة إلى حجر زاوية لتسوية شاملة في اليمن، وبالتالي لا بديل عن الضغط على المليشيات الحوثية لإنجاح الاتفاق.