اختفى المثقفون وبرز الجهلة

الحياة تسير وفق نظام الاغلبية، ليس كسلوك ديمقراطي يمكن التعويل عليه إنما كواقع متخلف يستند على قاعدة من تزوج أمنا فهو عمنا، أو في أحسن الأحوال: هذا ما وجدنا عليه أبناءنا، فمثلا الأغبياء لا يمكن أن يسمحوا لذكي بأن يتولى أمرهم ويحكمهم، والاذكياء في ظل حاكم غبي اقلية تحكم بالحديد والنار، هذا ملخص حديث تجاذبته مع صديق مصري مثقف وعلى مستوى عالٍ من التعليم.
صديق المصري وعلى ثقافته العالية واطلاعه الواسع على واقعنا العربي وما يدور حوله وفيه من مخططات خارجية إلا أنه في وضع الصامت كتابيا، ويرفض السير في الطرق المؤدية إلى شاشات التلفزة والظهور كمفتي سياسي أو ناشط إعلامي أو حقوقي، وإن كان هذا ملعبه.

هو ممن يرفضون فكرة بيع الكلام والمتاجرة بالمواقف، وبرغم ظروفه الصعبة إلا أن مبدأه ثابت، لكعته بسؤال عن عمله الحالي ووضعه المادي فقال بأبتسامة ساخرة: زي ما انت شايف الحال واقف.
وقف الكلام وتشاغل كل واحد منا بتلفونه، ألقيت نظرة على الفيس بوك ومن ثم توتير أقلب الصفحات وفكري شارد بواقع صديقي المثقف العاطل عن العمل في حين أن الروبيضات يربضون على بيضات من ذهب وتضج مواقع التواصل الاجتماعي بكتباتهم واحاديثهم وانشطتهم وصورهم، ويتابعهم حشد عريض من المغفلين.

سألت نفسي كم مثقف من طراز صديقي وقف حاله في ظل زحام الأغبياء على أبواب الجهلة ممن قدر لهم بأن يكونوا حكاما، تغذيهم الحروب وتمنحهم الأزمات أعمارا اضافية ورحت افتش في صفحات عدد من الكتاب والصحفيين والسياسين والمفكرين المرموقين، فوجدت نشاطهم واقف، ولا أثر لاقلامهم كما لو أنهم دخلوا فجوة زمنية.

كم مثقف ربط على بطنه بحجر وبات جائعا غارقا بأفكار .. كم مثقف اغتيل بشظايا فكرة غير قابلة للنشر، أو موقف يزعج أطراف الحرب؟