الحنونون تجاه الجنوب

لدي زملاء كثيرون من النواب والسياسيين والمثقفين الشماليين الذين يتواصلون معي معلقين أو منتقدين كلما تحدثت عن فشل تجربة (الوحدة اليمنية) وحتمية العودة إلى وضع الدولتين في اليمن، ومعظم هؤلاء يحلفون الأيمان المغلظة بأنهم يحبون (الجنوب والجنوبين) ولا (يتمنون) لهم إلا الخير لكنهم لا يودون للبلد أن (يتمزق) وللجنوب أن (ينفصل) .
لن أناقش هنا معنى الحب والحنان عند بعض هؤلاء ويكفي أن نتذكر الفتوى الشهيرة التي أجازت قتل كل جنوبي، كفتنة صغرى، تجنباً للفتنة الكبرى المتمثل في انتصار الجنوبيين (الكفار) على الشماليين (المسلمين)، والتي اتفق عليها معظم هؤلاء على اختلاف مواقفهم بين من أصدر الفتوى ومن استثمرها وروجها ونفذها جزئياً أو كلياً.
يتحدث معظم هؤلاء عن الشعب الواحد والقضية الواحدة والمصير الواحد والمستقبل المشترك، لكن هذا الكلام الودود والحنان الوافر والمشاعر الحميمية لم نسمع منها شيئا عندما كانت قوات الأمن المركزي والحرس الجمهوري والأمن السياسي والفرقة المدرعة تقتل الشباب الجنوبيين أثناء الفعاليات السلمية الرافضة لنتائج حرب ١٩٩٤م والمطالبة بإعادة حقوق الجنوب والجنوبين.
في الكثير من النقاشات التي دخلت فيها مع كثير من أصدقائي الشماليين المنتقدين للمطالب الجنوبية بالعودة إلى حدود الدولتين في العام ١٩٩٠م قلت لهؤلاءِ الزملاء: إن مطالب الجنوبيين ليس فيها أي اعتداء على أحد ولا انتقاص من حق أحد، وأنها ليست سوى سعيٍ لتصحيح خطأ ارتكب بحسن نية من قبل قيادة الجنوب في العام ١٩٩٠، وإن العودة عن هذا الخطأ تمثل مصلحةً للشمال والجنوب على السوأء فلا الجنوب عاد قادرا على تحمل ما نجم عن هذا الخطأ من كوارث، ولا الشمال له مصلحة في استمرار الأحقاد والكراهيات والنزاعات غير المبررة مع الجنوب، وهو ليس لديه مصلحة في الاستمرار في هذا النهج المدمر حتى وإن اوهمه بعض قادته بإن استمرار ظلم الجنوب يمثل واجباً شرعياً
وأخيرا وكما قال الأخ عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي أن شعبينا يستطيعان أن يؤسسا لشراكات متعددة في مختلف المجالات الاقتصادية والأمنية والاستثماري والسياسية بعيدا عن أجواء العداوات والضغائن والحروب، والضم والإلحاق والوصاية،. . . شراكات تقوم على بناء وتنمية المصالح المشتركة وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والاحترام المتبادل لسيادة الدولتين كلٍ على أرضها ونطاقها الحيوي، وحينها يمكن الحديث عن حب وحنان وعواطف وحميميات متبادلة بين الشعبين.

ــــــــــــــــــــــــ

*من صفحة الكاتب على فيسبوك