قبائل الجنوب

حتى وقت قريب كان مثل هذا العنوان مستهجناً من البعض على اعتبار أنه يكرس واقعا اجتماعيا تم تجاوزه رغم أن ذلك مثلا عمق الخلل والتشظي والهوان الجنوبي وحالة من فقدان الهوية والتاريخ بعد التجني على نسيجنا الاجتماعي على نحو ما حدث للاسف عبر استقلال الجنوب.

مثّل استهداف واقعنا الاجتماعي القبلي عنصر هدم حقيقي لواقع وعادات هي في الأصل مصدر قوة ومنعة للجنوب، إلا أنه بعد أن تم ذلك بدت الساحة الجنوبية على نحو من التباعد وعدم الانسجام بل جسماً غزته طفيليات كثيرة مستغلة حالة الفراغ الذي تركه استهداف القبيلة.

حتى بلغت درجة البجاحة لدى بعض الناهبين من شواذ الآفاق في وصف الجنوب بالهجين البشري غير المنتمي أصلاً لتاريخه القريب والبعيد أو هكذا كانت النظرة الاستعلائية لقوى التخلف والكهنوت التي لا تعلم أن المجتمعات الهجينة تمتلك سر قوة في جيناتها الوراثية القادرة على الخلق والإبداع وفق النظريات العلمية.

ثم إن ذلك يمثل حالة تعايش ورقي درجة إنسانية تحسب لهذه المجتمعات.
لا تذهب بعيداً عن صلب ما بدأناه عن قبائل الجنوب التي ينبغي لها أن تكون صاحبة القرار فيما يخص وجودها الجغرافي متكاملة في أدائها تجاه الوطن إزاء ما تصحبه من محن، وهكذا كان تاريخ الجنوب المقاوم للظلم يستمد مخزون قوته من تلك القبائل التي هي سباقة للذود عن حياضه شديدة الحرص على ترابه، بل سريعة تلبية النداء إزاء الخطوب التي تصيب أي أجزاء منه تتداعى له تداعي الجسد الواحد للعنصر المصاب.

لا بل لم تكن أرضه موضع نهب، ولم يمر في تاريخه بتلك الاستباحة التي عشنا تبعاتها في العقود الماضية بكل ما لازمها من نهب غير مسبوق لأراضي الجنوب.. حالة فيد هي في نهاية المطاف من محصلات تهميش القبيلة وتجاوزها والتنكر لتاريخنا بحلقاته المتصلة بموروث اجتماعي وثقافي ووجود إنساني هو محصلة كل ذلك في نهاية المطاف.

ما دعاني لهذا التناول هي فكرة إحياء حلف قبائل الجنوب الذي هناك اتجاهات لتعفصه، آملاً أن يحمل نسخة مختلفة من العمل السياسي يتجاوز ما لدينا على هذا الصعيد حتى يكون فاعلاً وجامعاً وإن تعطى كنه فكره إشارة وتكوينة للرموز القبلية التي لها ثقل اجتماعي بحيث يمكن عبر ذلك الوصول إلى حلف فاعل يتجاوز الحسابات السياسية التي عهدناها على صعيد المكونات السياسية بمختلف أنواعها ومسمياتها وبكل ما لديها من معوقات، حالة دون تحقيق الكثير من الغايات المرجوة.

حلف قبائل الجنوب لاشك مصدر قوة لو جرى التشكيل عبر نفس الحرص على الجنوب ومنحه مصدر قوة جديد في نطاق نضالاته القادمة.
آملين أن تأخذ فكرة على هذا النحو ترتيبات مدروسة ومحكمة وأن لا تسلق على عجل لأن ذلك مدعاة لولادتها ميتة، وهكذا ما لا يتحمله الوقت الدقيق الذي نمر به.

أعني إن فكرة الحلف القبلي للجنوب يمكن البناء عليها وقد تتجاوز سبل الاخفاق على الصعيد السياسي، وربما تكون إحىد الدعامات الهامة لخلق كيان جنوبي قادر في التعبير عن واقعه، في حين أن الفكرة إذا ما قدر لها النجاح والبناء السليم سوف تسهم في نزع فتيل التباينات المناطقية وحالة الخلل العميق في نسيجنا الاجتماعي، على أن يتم البناء لصرح كهذا بنفس طويل وموضوعي يستقرئ الواقع الراهن للجنوب وتعقيداته.​