هنا عدن..!

* لم نكن قد ولدنا ، عندما انطلق صوت إذاعة (عدن) يجوب السماوات المفتوحة يوم السابع من أغسطس عام 1954..
* والدي (رحمه الله) أخبرني أن ذلك اليوم كان فتحا مبينا في دنيا الإعلام المسموع على مستوى الوطن العربي، وحدثا تاريخيا استقبله الناس في (عدن) بحميمية شديدة أشبه بمصافحة أشعة شمس الصباح جبين رابية خضراء..
* نهار ذلك اليوم الأغر وقف الناس طوابير أمام الشركة التي تبيع (الراديو)، كان الشراء يومها متاحا، إما بالدفع المسبق أو بالتقسيط المريح، لم تكن هناك قيود على حركة البيع والشراء (أيام ما كان لنا نظر)..
* يوم السابع من أغسطس انقلبت فيه (عدن) رأسا على عقب، ومنذ ذلك اليوم ظل صوت إذاعة (عدن) يرتفع ويرتفع ويتخطى الحواجز البرية والبحرية والجوية حتى وصل معظم قارات العالم..
* انطلق نداء إذاعة (عدن) من استديو بحجم علبة الكبريت، حمل في ثناياه رسالة وأمانة ووصية يجب أن تدخل كل دار وكل بيت..
* ولأنها وضعت نصب عينيها تكريس الهوية الجنوبية فإن إذاعة (عدن) عرفت بوعي إدارتها الوطنية كيف تؤثر في قلوب وأرواح الناس، فبات أمر تواجدها في مطبخ ربات البيوت أمرا مفروغا منه تماما..
* حملت إذاعة (عدن) على بساط أثيرها رسالة قومية لوطن جنوبي ديمقراطي، حلقت بهويته وفطرته ونظامه في البقاع المرتفعة، وشكلت جانبا من ملامح تركيبة ووعي مجتمع جنوبي تتساوى في كفتي ميزانه كل الفئات، كما برعت في رسم ثقافة جيل يتسلح بالمعرفة والعلم والرياضة وحب الوطن والتضحية لأجله، كان صوت إذاعة (عدن) يحمل تلك الرسالة القومية إلى العالم حيث يصافح صوتها آذان وقلوب الملايين بأسلوب حضاري راقٍ يعكس مدى ثقافة وتراث شعب الجنوب..
* أطعمتنا إذاعة (عدن) وطنية جعلتنا نصارع الهموم والهواجس وشياطين وعفاريت الأرض، آمنتنا من الجهل وهي تبني في دواخلنا كيانا لغويا تتفاعل وتتحرك في أحشائه المفردات، تمتلئ بمعاناة رسالة ترسيخ هوية (الجنوب)..
* أحن لصوت إذاعة عدن، ففي صوتها القادم عبر الأثير رائحة خشوع تخرج من حنجرة قلبها فيشع ضياء» ونورا، صوتها يجعلك تتحرر من الذات فتسبح بك عبر نعومة برامجها في ملكوت الصباح فتتحرر أرواحنا من شهوة الوسن و غفلة الزمن..
* غاب سنونو إذاعة عدن، وهجر الكروان عشه ، واحتلت الساحة الإعلامية أصوات لها نقنقة الضفادع، عدن بلا إذاعة يعني جنوب بلا هوية، افهموها بقى..!