تحليل: العقدة اليمنية
صحيح أن هناك قوى دولية قد استمرأت سياسة إشعال الحروب وإطالة أمدها ومن ثم تعقيد المشهد العسكري والسياسي ، بحيث لا يكون فيها حسما عسكريا ولا حلا سياسيا نهائيا وجذريا...غير أن معضلة الحرب في اليمن تكمن أن هذه القوى إلى جانب قوى إقليمية ومحلية مارست سياسات واساليب ووسائل تضليلية بهدف تشويه وتحريف طبيعة الصراع وجوهره وقواه الفعلية.
في هذه الحرب ظل الماسكون بتلابيب المنصات السياسية والدبلوماسية والإعلامية يحاولون تتويه طرق الوصول إلى حسم الحرب عسكريا أو إلى حل سياسي ونهائي شاملا وعادلا.
عقدوا ويعقدون جولات من المباحثات والحوارات لم ينتج عنها سوى صفقات واتفاقات مشوهة وتحمل في احشائها بذور الفشل وخلافات وازمات جديدة.
حتى اتفاق الرياض ومن ثم مشاورات الرياض ،وعلى الرغم مما شابها من أخطاء وغموض،...ألا أنها لم تجد طريقها للتنفيذ بسبب سعي قوى دولية واقليمية ويمنية لعرقلة وتعطيل تنفيذ هذه الاتفاقات.
هناك قاعدة عامة في تاريخ الحروب تؤكد أنه مقابل الضحايا ومآسي الحروب ودمارها لدى عامة الشعب...هناك حفنة من الناس كانت دائما هي المستفيدة وصاحبة المصلحة الأولى في استمرارها. هذه الحفنة تضم امراء الحروب وتجارها وأبواقها.
الحرب في اليمن الجارية منذ عام ٢٠١٤م حينما أقتحم الحوثيون العاصمة اليمنية صنعاء هي أطول الحروب اليمنية وربما العربية وأكثرها دمارا وخرابا ومآسيا.
التحول النوعي والدراماتيكي في هذه الحرب بدأ حينما طور الحوثيون هجومهم باتجاه الجنوب في مارس ٢٠١٥م بعد استسلام محافظات الشمال وانضمام الجيش والحرس الجمهوري لهم.
هذا الغزو اليمني للجنوب، الذي قاده الحوثي هذه المرة، هو الغزو الثاني للجنوب ، حيث كان الغزو الأول عام ١٩٩٤م بقيادة الرئيس الأسبق علي صالح وبالتحالف مع حزب الإصلاح و"المجاهدين الأفغان العرب".
ومثلما قاوم الجنوبيون غزو ١٩٩٤م...قاوموا ايضا غزو ٢٠١٥م، رغم فارق وميلان ميزان القوى والوسائل لصالح الشمال،...لكن هذه المرة تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية بعد أن رأى أن عدنا يمكن أن تلحق بصنعاء وتسقطان معا بيد إيران كما سقطت قبلهما بغداد ودمشق وبيروت.
من ساعد التحالف العربي على الانتصار في بداية الحرب وما زال هو شعب الجنوب الذي التقت ارادته في التحرر من الاحتلال الشمالي مع إرادة التحالف في مواجهة الخطر الايراني في جنوب شبه الجزيرة العربية.
وبالفعل تحررت عدن وكل محافظات الجنوب على أيدي ابنائها المقاومين وبدعم من التحالف العربي في خلال أشهر معدودات...بينما ظلت صنعاء وكل محافظات الشمال تقريبا تحت سيطرة الحوثيين رغم الدعم الكبير والسخي الذي قدمه التحالف العربي لـ "الجيش الوطني" و"المقاومة الشعبية" في الشمال...التي استولى على قيادتهما حزب الإصلاح بصفة خاصة وبعض القيادات والمشائح والأحزاب بصفة عامة.
هذه القيادات اعتبرت الحرب مجرد فرصة للتكسب والابتزاز والاغتناء على حساب التحالف وعلى حساب آلام ومآسي السواد الأعظم من الناس في مشهد يعيد إلى الاذهان مشهد الحرب الأهلية بين "الجمهوريين" و"الملكيين"في الشمال ١٩٦٢-١٩٧٠...
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هذه القيادات كانت حربها الحقيقية موجهة لافساد نصر الجنوب وعرقلة تطبيع الاوضاع فيه...بدلا من توجيه مجهودها الحربي والمالي والاعلامي الضخم لتحرير صنعاء ومحافظات الشمال من الحوثيين- ذراع ايران المخلص والقوي في المنطقة العربية-.
بعد ما يقارب التسع سنوات ما تزال عقدة الحرب في اليمن هي هي...بقاء الشمال تحت سيطرة الحوثيين الذين يهددون أيضا أراضي المملكة والإمارات وأراضي الجنوب ايضا، مقابل إصرار قوى الشمال سواء المنضوية منها تحت قيادة الحوثيين أو المنضوية منها تحت مظلة الشرعية...إصرارها على استمرار احتلال الجنوب وتقاسم ثرواته!
بمعنى ابسط قوى الشمال "الشرعية" لا تريد أو لا تستطيع تحرير الشمال وفي نفس الوقت -وهو الأهم بالنسبة لها- لا تريد للجنوب أن يتحرر ويستقر.
فهل آن للتحالف العربي أن يفكفك هذه العقدة المرضية المزمنة ويحسم أمره ويتجه لأعمال حاسمة تنهي هذه الحرب اللعينة.
العميد الركن/ ثابت حسين صالح
*باحث ومحلل سياسي وعسكري في بوابة المشهد العربي.