بعد الزفة..!

المعاناة تولد الإبداع.. مقولة قفزت إلى رأسي المفلطح وأنا أتابع ردود الأفعال التي خلفها الفيلم العدني السينمائي (عشرة أيام قبل الزفة)..

* لأول مرة منذ سبع سنوات عجاف يقفز الفن العدني إلى سطح الأحداث ويفرض نفسه الخبر الحصري المثير على حساب أخبار الخراب والدمار.. القتل والتنكيل.. الاغتيالات والاحتيالات ..

* صافح فيلم (عشرة أيام قبل الزفة) أحاسيسنا و حرك مياه مشاعرنا الراكدة واستحوذ على عواطفنا، سار بنا على مجموعة نيازك طيفية كشفت عورات الغرام والانتقام، وفضحت منسوب من غردوا خارج سرب عدن..
* حقق المخرج العبقري (عمرو جمال) معجزة سينمائية في زمن تئن فيه عدن من سلوكيات دخيلة وعادات قبيحة تستهدف كل ما هو جميل في عاصمة الجمال والتسامح..

* استطاع (عمرو جمال) التوغل إلى ذواتنا المنكسرة وأعماقنا المنكمشة، قرأ في عيوننا إحباط مرحلة عبثية تقتل القتيل وتمشي في جنازته، فك (عمرو جمال) ببعد أفقه الإخراجي طلاسم الاغتراب الداخلي، اعتقل حواسنا وهو يعري الحقيقة ثم يضع قطرة العسل في برميل الخل قبل وبعد الزفة..

* وشهادتي في المبدع العدني (عمرو جمال) ليست مجروحة، فقد صمت عليها كثيرا حتى ضرب مدفع الإفطار مع فيلمه التحفة (عشرة أيام قبل الزفة)، فهذا العبقري الشاب يتألق دائما تحت الضغط، يبدع أيما إبداع في الأزمات، ينجز عملا خارقا دون وسائل مساعدة، يتحدى الظروف الصعبة ويقفز على كل الأسلاك الشائكة دون أن يشتكي أو يتذمّر، مخرج عاشق لتاريخ عدن الفني حتى النخاع الشوكي..

* وإذا كان فريق العمل قد لامس قلوب كل الجنوبيين الذين عاشوا نكبة الغزو الشمالي الثاني لعدن، فإن عناصر نجاح الفيلم ما كان لها أن تكتمل لولا روح الفريق الواحد، والحس العائلي الذي غلف العمل الميداني المفتوح، ولقد أثمر هذا الانسجام والتناغم عن فيلم واقعي تشعر أنه يحكي قصتك ومعاناتك مع كابوس الحرب..

* التقط مؤلف العمل صورا واقعية ومزجها بعمل ميلودرامي صب كشلال هادر في تجليات الممثلين والممثلات، كل ممثل يفجر في داخلك إنسانا آخر، وكل ممثلة تسبر أغوار بنات حواء وهن يتحولن إلى ثائرات لأجل عدن..

* بودي لو كنت على مقربة من رأس المخرج العبقري (عمرو جمال) لكانت النتيجة طبع مليون قبلة على رأسه، فهو بهذا العمل جعلني أعيش لحظات من التأمل تماما كما تفعل بي أفلام المخرج المصري الراحل (عاطف الطيب).. عزيزي (عمرو جمال) لقد قدمت لعدن عربون محبة بحق وحقيقة، ولقد كشفت بفيلمك الرائع أولئك المأفونين الذين يتغنون بحب (عدن) من فنادق التنظير، كما أن أكبر درس قدمته لنا كجنوبيين من خلال فيلمك يكمن في استثمارك لنعمة العقل باعتباره دليل حياة كما قال الفيلسوف (ديكارت)..!​