مدن الظلام!

في الأصل لا حدود لتطلعات وآمال وأماني البشر على مختلف ألوانهم حتى وإن كنا نعيش في مدن الظلام بعوالمهم المختلفة وقيمها المغايرة إلا أننا نظل نمتلك قبساً من الأمل الذي يضيء لنا عتمة الليل المحيط ردهات أحلامنا، ربما تختزل مفاهيم الحب للبشرية ولبني الإنسان من أبناء جلد تنافي ذاتنا غالباً، وتلك نقيضة تتنافر مع تعاليم ديانتنا السماوية التي تأتي مصدر الأمانة إليها من ذاتنا.

قد تبدو مساحة أحلامنا مودودة في ظل تطلعات البشرية المتجددة بعطاء النقل وآفاقه المشرقة التي لا حدود لها لا لأننا مختلفون في تركيبنا الجيني عن سائر البشر، ولا لأن أطفالنا يولدون بعاهة عدم الذكاء والفهم؛ بل بالعكس هم يأتون إلى الحياة بطبيعة بيضاء يختلفون في سنواتهم الأولى بعقول ثاقبة؛ بل شديدة الذكاء، وتلك صنعة الشرق، وفق الباحثين والمستشرقين ممن رؤوا في ملامح أطفالنا هذا القدر من الذكاء الخارق، شعوبنا في الأصل ليست عقيمة عديمة العطاء وإلا لما حفظ لنا التاريخ ذلك الإسهام الفاعل في حضارة الإنسان على مر الأزمنة والعصور.

وقفت مثل غيري بشيء من عدم الاكتراث بقدوم عام ورحيل عام ربما لأني لم أجد في قاموس حياتي ما يشير إلى تبدلات تذكر.

مرت في مخيلتي طبيعة التبدلات الصارخة المتسارعة في محيطنا الكوني بكل ما حملت من ابتكارات ربما غيرت أو بدلت من مفاهيم كثيرة كانت سائدة إلا أن الحال في مدن الظلام ما زال يراوح عند حدود تلك الأحوال البائسة، ففي الوقت الذي تتأهب فيه البشرية لمغادرة حقب الماضي ما زلنا نداري عتمة حياة مدننا المظلمة، لا نلتفت لوميض الأنوار من حولنا وتلك الابتكارات المتسارعة والاختراعات المذهلة التي يتوقع لها أن تغير خريطة العالم ومدنه ووسائل اتصالاته ومواصلاته؛ بل وطرق تلقيه للمعرفة.

عاما جديداً ليس في أفقه بالنسبة لنا أكثر من حالة انشغالنا بذاتنا وبطولاتنا العارمة بحق ما نرتكب ضد بعضنا من أذى وإزهاق للأرواح.. كل تلك الصفات الذميمة هي في قاموس عطائنا مجداً يستحق أن نزهو به.

هكذا تمضي الأعوام في مدن الأنوار، وتلك هي صورة مدن الظلام التي نتلمس في دروبها الموحشة طريقنا إلى إسعاد ذاتنا، وتلك هي غاياتنا منذ عقود خلت، الأمر الذي يجعلنا سادرين في ملكوت الكون بصورة مغايرة ومختلفة.