أصعب المهام

طبيعة الواقع اليمني عموماً جداً معقدة، حتى إن فكرة الاقتراب من الحلول لا يمكن أن تشكل مؤشرا للنجاح نظرا لما عُرفت به الأطراف في تاريخها من عدم الوفاء على تعهداتها، بل إن مثل تلك التعهدات غالبا ما تستخدم جسرا لتحقيق مآرب معينة، وشواهد التاريخ مليئة بتلك الاتفاقيات والصفحات التي لم تنفذ بنودها، هذه خاصية يمنية معروفة، حتى إن العامة وإثر كل اتفاقية وتوقيع يتحدثون بسخرية، لإدراكهم أن لا مجال للتنفيذ، الحال الذي ولد تعقيدات شديدة في عموم المشهد اليمني الذي تغيب معه منذ زمن الإرادة السياسية، ما جعل فكرة استمرار الحرب هي الخيار الأفضل لدى الكثير من القوى السياسية التي تجني مكاسب عدم الاستقرار.
بل إنها تعمل وبصورة واضحة وفاضحة على بعث الفوضى وتدمير مؤسسات الدولة، خصوصا الخدمية مثل المياه والكهرباء، ناهيك عن اللعب على ورقة المرتبات، وهذه الأخيرة ولدت استياء عارماً لدى من هم تحت وطأة المعاناة.
في واقع الأمر لم أكن أنوي الإسهاب في مطلع موضوعي عما سلف، وبما أن الأمور مترابطة ومتداخلة جداً فلا سبيل للحديث عن مفصلية دون أخرى..
فما أعنيه بأصعب المهام في عنواني هي مهمة الإخوة في الانتقالي الجنوبي في حوار واتفاق الرياض، فكثيرا ما يحاول البعض تحميل الانتقالي مسؤولية التوقيع من منظور أن الأمور لم تمضِ باتجاه التنفيذ، ناهيك عن حالة الخلط التي أعقبت ذلك في الجنوب جراء بقاء القوات التي خرجت من مأرب باتجاه المحافظات النفطية تحديداً شبوة التي تجري فيها مواجهات حادة، واستهداف قبائل لقموش..
كافة هذه التطورات لاشك تضع الانتقالي تحت أعباء كبيرة، وهو مقيد بين التزامه للتحالف والاتفاق، وبين حركة الداخل الجنوبية المتوجسة مما يجري والمستنفرة إثر الاعتداءات العسكرية خاصة في شبوة.
نعم لقد كانت مهمة وفد مفاوضات الرياض من المهام الصعبة، ووقائع التاريخ تحمل في طيها نماذج من مثل تلك المهام الصعبة التي تضع المفاوض تحت ضغوطات عدة، ليس أولها حفظ الشارع والبلد الذي يمثله، ثم حفظ الظرف الزمني بما تجري على ساحته من تطورات خصوصا على الصعيد الإقليمي.
ما يدعو المفاوض للأخذ بحسابات عدة وممارسة مرونة سياسية محسوبة العواقب، ناهيك عن حسابات غير معلنة لكنها ظمن ما ينبغي وضعه في عين الاعتبار.. ألا وهو عدم التنفيذ من قبل الطرف الآخر وهي الحالة التي لم تكن مفاجأة، إلا أن ما يترتب عليها أمور كثيرة جدا، بل بالغة الأهمية والحساسية بالنسبة للانتقالي الجنوبي الذي يواجه هجمات إعلامية شرسة متهمته بالتفريط والاستهانة بدماء الشهداء، بل ويحمله البعض معاناة السكان من الخدمات وعدم تسليم المرتبات، وكل تلك سبل يسعى الطرف الآخر إلى إيهام الناس أن الانتقالي هو السبب، رغم أن لا ناقة له ولا بعير فيما يجري، في حين أن توقيعه على اتفاق جدة ضرورة لا مجال للمزايدة حولها.