الجنوب بعد كل التضحيات

هناك الكثير من الموضوعات السياسية والتحليلية التي تناولت ما يمكن أن تمثله مفاوضات جنيف من خلاصات بالنسبة للشأن اليمني.

البعض استغرب كثيراً موقف الشرعية الفاضح من الجنوب، وهو الوضع الذي بدت المواقف فيه كما لو أنها منسقة سلفاً، فالاشتراطات للشرعية تتوافق مع اشتراطات الحوثيين في موقف موحد فيه استبعاد مطلق لقضية الجنوب كشرط لقبول تلك الأطراف بمبدأ المحادثات المزمع إجراؤها.

وهنا يبرز السؤال عن قضية الجنوب: هل هي قضية جانبية أم محورية، بل أساسية في جوهر الصراع؟
فوفق ما خلص إليه المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر، وعند إحاطاته الأخيرة لمجلس الأمن نوه الرجل إلى أهمية عدم تجاهل القضية الجنوبية باعتبارها من القضايا المحورية الهامة.

علماً أن المبعوث الأممي جمال بن عمر قد مورست عليه طرق تقييم كثيرة، وهو ما جعل مساعيه لم تكلل بالنجاحات بحكم ما واجه من غياب الرؤية بالنسبة لقضية الجنوب، ولم يصل إلى خلاصات واضحة إلا بعد مضي سنوات من الجهود والمعاناة تبين لديه إثرها عمق الخلل في طبيعة أدائه بالنسبة للجنوب، ما أراد تلافي الوضع إلا أنها خلاصات جداً متأخرة.

حالياً يواجه المبعوث الأممي الجديد مارتن جريفيثس اشتراطات الأطراف التي لا يمكنها أن تكون معبرة عن الحق الجنوبي، ما يعني أننا أمام حالة خلل عميق في طبيعة المفاوضات منذ مهدها لأنها - ببساطة - تريد الالتفاف على الحق الجنوبي.. فبماذا
يفسر هذا التجاهل؟
أولاً هو في طبيعته موقف معادٍ بشكل سافر للحق الجنوبي يتجاوز نضالات هذا الشعب وتضحياته ويوجه استفزازا بالغا للمشاعر الجنوبية بصورة عامة. وهنا يبرز السؤال المنطقي: هل بمقدور تلك الأطراف المضي في مفاوضات فيها استبعاد للحق الجنوبي؟..

وفق كافة المعطيات، الجنوبيون إثر هذه الخطوة أدركوا جيداً أن هناك أطرافا تريد الالتفاف على قضيتهم ولا يمكنها بأي حال أن تعبر عن إرادة الجنوب، في حين أن خطوة من هذا النوع لا يمكن البناء عليها مطلقاً بحكم ما تمخض عنها من مواقف لا تعبر عن الحد الأدنى من حسن النوايا، وهي لا تخدم مسار المحادثات ولا تشكل مسارا للتوافق بأي حال كان، في حين أنها تضع تساؤلات عميقة في حقيقة المواقف الخليجية من ما يجري التي ليس من مصلحتها بعد كل هذه الجهود أن تضع الجنوبيين أمام خيارات صعبة ربما تعزز درجة التفكيك التي يتم العمل عليها منذ زمن بنوايا الأشقاء تجاه الجنوب.

والجنوب بوضعه الراهن أمام تحديات عميقة وكبيرة بحكم طبيعة المستجدات الاقتصادية والسياسية، التي وإن لم تكن قد فاجأته، إلا أنها تمثل في خلاصاتها نتائج مسارات خاطئة تم التعاطي فيها مع الجنوب، تتجاوز وبوضوح سافر حقوقه المشروعة وعدالة قضيته وتضحيات أبنائه وإرادة شعبه.
فهل مؤشرات جنيف قد كشفت المستور وحشرتنا في زاوية انفصام كافة الأطراف؟